تنتهي سنة وكأن شيئاً لم ينتهِ. تبدأ سنة جديدة وكأن شيئاً لم يبدأ. لم يعد للزمن من معنى. منذ زمن بعيد لم يعد للزمن شكل دائري. منذ فترة طويلة لم يعد هناك خط مستقيم. وكأننا على منحدر. كل شيء ينحدر. كل شيء يسقط.

لم يعد هناك من خط دائري أو مستقيم، أو بالأحرى، لم نعد نراه. ربما من سرعة السقوط.
السرعة! هي الكلمة المفتاح لتفسير جزء كبير من كل ما يحصل. لقد أصبحنا كائنات أسرع من الزمن.
نريد طاقة وكهرباء أينما كان وعلى مدار الساعة (24/24)!
نريد أن نحول الليل الى نهار! أن نخرق جدار الصوت وجدار الزمن.... لذلك خرقنا قشرة الأرض ووصلنا الى الوقود الاحفوري (واليورانيوم النووي) البني- الأسود! سباقنا الى الطاقة بأي ثمن غير المناخ العالمي ورتب مخاطر باتت تهدد أسس الحياة على كوكبنا الهش أصلاً!
نريد أن ننمو بسرعة أكبر، لذلك بدأنا نشرب حليب غير أمهاتنا، مقلدين بشكل أساسي العجول! فترققت عظامنا بدل أن تقوى!
نريد أن نأكل أي شيء نرغب به، وفي أي وقت، مأكولات الصيف (لا سيما من الفواكه والخضار الطازجة) في فصل الشتاء ومأكولات الشتاء في فصل الصيف، فخسرنا طاقتنا وصحتنا وأجهدنا التربة ولوثنا المياه الجوفية!
نريد أن نستهلك كل شيء وبسرعة… حتى أكلتنا نفاياتنا.
وهم سرعة الوصول للآخر (الجنس، الشريك، الآخر) جعلنا نصاب بانفصام الشخصية وبالاغتراب عن أنفسنا وجعلنا أناساً قلقين لا نعرف الى الاستقرار النفسي والاجتماعي سبيلاً.
سرعة تغيير "الموضة" وتغيير الملابس والأمتعة والأثاث والسيارات والأدوات الكهربائية والالكترونية وكل شيء... جعلنا نشعر دائماً شعور عدم الاكتفاء والنقص والألم، وجعلنا نعمل أكثر ونأكل فرص عمل الآخرين... مما زاد البطالة ولم يؤمن الاستقرار الاجتماعي والنفسي والاقتصادي.
سرعة تغيير القيم التي باتت تعتمد على التغيير بدل الثبات والاستدامة، جعلتنا نركض باتجاه منحدر إلى هاوية عميقة، كأننا ننتحر.
وسائل التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار الأخبار، جعلتنا نتوهم معرفة لا تفيدنا في شيء في حياتنا اليومية وسلبتنا علاقاتنا الحميمية والحقيقية باتجاه علاقات وهمية جعلتنا نواجه العالم ومشاكله وأزماته ومآسيه لوحدنا، في فردية قاتلة.
الانحدار الكبير زاد سرعته هذا العام بإعلان لبنان بلداً نفطياً. هو الخيار الأكثر سواداً بالنسبة لمستقبل لبنان "الأخضر". اتخذ هذا الخيار في لحظات تاريخية غاية في الانحدار السياسي والثقافي والاقتصادي والقيمي والتبعي. مرحلة حروب وصراعات ونزاعات وسباق محموم على الموارد وخوف على المصير وانعدام الأوزان. مرحلة وصلت فيها أكثريات على غفلة أو على منحدر من الزمن. بعد أن أصبحت ثقافة الجماهير ثقافة الفيسبوك وشاشات راس المال السياسي الغبي ومذيعات ومقدمات برامج البوتوكس والابتسامات الاصطناعية الساذجة حتى لكبريات الكوارث التي نعيشها.
انحدار ما بعده إلا الانحدار، ضعفت فيه السياسة على حساب الزبائنية التي يرجح أن تقوى أكثر وأكثر بعد البدء باستخراج لعنة الغاز والنفط.

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]