يعود الممثل المسرحي المعروف غسان مسعود إلى المسرح السوري بقوةٍ هذا السنة ولو في أواخر أيامها. إذ بدأ «مسرح الحمرا» في دمشق أمس بعرض مسرحيته الجديدة -مخرجاً هذه المرّة- «كأنو مسرح» (إنتاج وزارة الثقافة السورية–مديرية المسارح والموسيقى).
كتبت المسرحية لوتس مسعود، إبنة المخرج، التي تقول لـ «الأخبار» بأنَّ العمل معه كان حلماً تحقق. تحكي المسرحية قصة مخرجةٍ تقرر انجاز عملٍ مسرحي تجمع فيه مجموعةً من الممثلين في عمل واحد. هنا يختلط البعد الدرامي بالبعد القصصي: فالمخرجة مصابة بالسرطان، قررت إيقاف العلاج الكيميائي، فيما الممثلون أبطال مسرحيتها يكرهون بعضهم ولا شيء يجمعهم في تظليل على الحدث السياسي السوري اليومي والحالي.
تجمع المسرحية نخبة من النجوم السوريين المعروفين محلياً وعربياً، اختارهم مسعود بعنايةٍ. إذ يقول: «لقد قمت بكاستنغ (اختيار ممثلين) حقيقي لإختيار أبطال هذا العمل، بعضهم أعرفهم بشكل شخصي، بعضهم عمل معي من قبل، وبعضهم لم يفعل». وقع إختيار مسعود بدايةً على الممثلة المعروفة ديما قندلفت لتأدية دور المخرجة في العمل، فيما يؤدي دور البطولة أمامها محمود نصر الذي أدى بإحترافٍ في مسلسل «الندم» واستطاع جذب الجمهور. لكن غسان مسعود يرفض «البطولة» المطلقة. يخبرنا بأنَّ «العمل قائم على بطولة جماعية، ليس هناك أبطال أفراد فحسب، هناك عمل متكامل الجميع أبطالٌ فيه». نشاهد في العمل لجين إسماعيل وأيمن عبدالسلام، الثنائي الذي يمكن اعتباره من أبرز الوجوه السورية الشابة. اسماعيل الذي عرفه الجمهور كثيراً عبر فيلم «رد القضاء» لنجدت اسماعيل أنزور، الذي صوّر بطولات رجال سجن حلب المركزي أمام هجمات الإرهابيين التكفيريين. أما عبدالسلام، فهو ذو الشخصية المحببة التي حفظها الجمهور العربي في مسلسل «الحقائب». ويأتي مصطفى المصطفى (يذكره الجمهور في دور الشرطي مزين من «باب الحارة» في جزءيه 8 و9) ليكمل الإطار الشبابي في العمل. المصطفى غيّر شكله هنا، فحلق شعر رأسه وكث لحيته. نسائياً، وبخلاف ديما، تحضر ثلاث نجمات سوريات: ناظلي الرواس وروبين عيسى وراما العيسى. في الإطار عينه لا يمكن نسيان الدور الكبير ولو كان صغير الحجم للممثل القدير غسان عزب الذي يمكن اعتباره «جوكر» مجمل الأعمال السورية. إذ يستطيع التلوّن وأخذ أدوار متعددة، سواء أكانت صغيرة أو كبيرة، وهو يؤدي في المسرحية دور «حارس المسرح» وهو في الوقت عينه مساعد المخرج (أي مساعد غسان مسعود) في الواقع.

تحاكي قصّة العمل ــ كما أشرنا ـــ الواقع السوري المعاش ولكن في إطار قصصي. نشاهد أبطال المسرحية يتناقشون ويتصارعون في محاولة إثبات أن خصومهم على خطأ. تبدو الصراعات في العمل واقعيةً ولكنها في الوقت عينه «تراجيكوميدية». إذ لايمكنك إلا الضحك على أشخاصٍ يكذبون وهم يعرفون أنهم يكذبون. لكن مع هذا، فإنهم يستمرون في عملهم هذا لأنه يجعلهم ما هم عليه. فتبدو مثلاً شخصية المثقف المتفلسف( المصطفى) الذي لا تفيد فلسفته إلا في تعميق الشرخ بين الناس، فيما المؤيد والمعارض (اسماعيل وعبدالسلام) نسخةٌ كربونية عن بعضهما البعض حتى في سلوكهما الجسدي البسيط. الدور النسائي من جانبه بدا مشرقاً مع مجموعة جيدة ذات أدوار أكثر «إيجابية» من الأدوار الذكورية، في إشارةٍ إلى أنَّ المرأة في النهاية هي «الأم» و«البداية المتجددة» عند كل المفترقات. تقنياً، يحضر مع غسان إلى المسرح فريق تقني مهم يقدم سينوغرافيا جميلة، مع العلم أنَّ غسان أشرف على صناعة السينوغرافيا وكل تفاصيل ديكور العمل خطوة بخطوة، نذكر من هذا الفريق هاني جبور (مصمم الديكور) محمد حسين مصطفى وحسان حيدر (منفذا الديكور)، تصميم الأزياء: ديمة فياض، تصميم الإضاءة بسام حميدي؛ فيما درّب على الرقصات محمد شباط.
باختصار، تبدو «كأنو مسرح» عملاً قد يكون الأفضل خلال هذا الموسم المسرحي، وربما يمكن اعتبارها بوابةً مهمة لأعمالٍ مسرحية تعيد للمسرح السوري ألقه وتميزه الذي جعله واحداً من أهم مدارس المسرح العربية، وتوج مسعود لا مخرجاً فحسب، بل معلّماً فيه.

*«كأنو مسرح» لغسان مسعود: «مسرح الحمرا» (دمشق)