للمرة الأولى يخترق الإنفوغرافيك «info graphic» صالات العرض التشكيلي في سوريا، مازجاً الجمال بالوظيفة الاجتماعية للفن، عبر خمسة عشر مشروعاً احتضنها المركز الوطني للفنون البصرية، تنوَّعت مواضيعها بين غلاء الأسعار، ارتفاع نسب البطالة، والزواج المبكر، إلى جانب تضرر القطاع الصناعي، وتدمير المستشفيات، وتدهور الحرف اليدوية، إضافة إلى حرائق الغابات، وأزمة المواصلات، والأطراف الصناعية، وسائل التواصل الاجتماعية، وغيرها.
لنشهد تجسيداً واقعياً لأفكار توني بوزان Tony buzan وخرائطه الذهنية، بالتَّرابط مع العصف الذهني الذي ابتكره أليكس أوزبورن Alex Osborn، وعمارة المعلومات لمؤسِّسها ريتشارد ورمان Richard S Wurman.
أهمية المعرض لا تقتصر على فرادة الطَّرح وجمالياته، سواءً كبوسترات ثابتة أو كأفلام «motion graphic» كما تُسمَّى، وإنما بالآلية المميزة التي جعلت خريجين جدداً من قسم التصميم الغرافيكي والملتيميديا في كلية الفنون الجميلة في دمشق يختبرون نمطاً جديداً من المعرفة لم يتلقُّوها أثناء دراستهم الأكاديمية، عبر ورشة عمل أقامها المركز الوطني مدة خمسة عشر يوماً تحت عنوان «info-غرافيك» بإشراف علمي لكل من الأستاذين سامية شقير ومحمد برُّو اللذين يتحضرا لنيل شهادة الدكتوراه في هذا الاختصاص. امتلك المشاركون بعد ذلك القدرة على تحويل البيانات والمعلومات المختلفة، بواسطة أساليب وأدوات بصرية غرافيكية، إلى مُعطيات سلسة الإدراك والفهم، والأهم أنها قادرة على التأثير والتحفيز على التفكير، ودافعة للتحليل ومقارنة المعلومات، ومُهيِّئة لاتخاذ المواقف.
تقول شقير لـ «الأخبار»: «يعتبر الإنفوغرافيك إحدى وسائل الاتصالات البصرية حديثة العهد، بدأ عام 2005، لكن نهضته الفعلية تمت منذ الـ2011 وحتى يومنا هذا، بسبب التراجع الكبير في شعبية القراءة وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، ليأتي هذا الفن المُختلِف عن بقية الفنون الجميلة بكونه فناً وظيفيّاً يحمل رسالة للمتلقي ينبغي أن تصله، ولذلك لا يشفع جمال التصميم عدم تحقيق هذا الهدف الأساسي».
الرسائل التي تضمنتها المشاريع عن مدى الضرر في بنية المجتمع السوري وثقافته واقتصاده وحياة مواطنيه، وحيوية طرح المعلومات عنها، وسرعة وصولها إلى المتلقي، سيما في الأفلام التي لا يتجاوز بعضها الدقيقة الواحدة، جعلتنا نتحسَّر على بؤس أفلام التوعية التي يعرضها الإعلام السوري على اختلاف مواضيعها، ومردُّه بالتأكيد إلى الجهل وعدم الدراية بأبسط أساليب إنجازها، يضيف محمد برو إلى ذلك «الابتعاد عن العلمية في التعاطي معها، والاستسهال في تصميمها بحيث تبدو أنها كرتونية وليس غرافيكية، والفرق شاسع، ويصل سوء صناعتها إلى الدرجة التي تفقد معها القدرة على الجذب والتأثير، بمعنى انقطاع دائرة الاتصال الفعَّال التي لا تكتمل من دون التَّلقِّي الإيجابي»، مُتمنياً الالتفات إلى هؤلاء الشباب بإمكانياتهم المميزة ومعرفتهم الغنية واستثمارها بصياغة أفلام توصل رسائل تخدم المجتمع وترفع سوية الوعي بالمواضيع المُراد طرحها.
الإنفوغرافيك بالعموم تم استثماره بشكل كبير في نشرات الطقس، وفي الأخبار الاقتصادية التي تعتمد على مقارنة الجداول وتبيان توتُّر مؤشرات البورصة، وارتفاع أو انخفاض أسعار العملات... وأيضاً في تصميم بوسترات وبروشورات إرشادات السلامة عبر تبسيط المعلومة إلى الحد الأدنى، وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمدوّنات الإخبارية وغيرها. يقول غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة «المركز الوطني للفنون البصرية»: «يُصر المركز على تقديم الجديد والفريد في مجالات الثقافة المختلفة، ومنها نتاج ورشة عمل الإنفوغرافيك التي استمرت لأسبوعين، وهي الأولى من نوعها في سوريا. هذا الفن المميز جاء بعد اتخاذ القرار بإلغاء العديد من الجرائد الورقية في أميركا وبريطانيا وفرنسا واللجوء إلى الصيغ الإلكترونية. لذا تم الاتكاء على فنون الإخراج الصحافي للفت النَّظر إلى المواضيع المهمة في الصحف التي ما زالت تحتفظ بنسخها الورقية، وتشجيع الناس على قراءتها عبر تحفيزهم غرافيكياً، بتقديم المعلومات - مهما كانت معقدة- بأسلوب مُبسَّط بصرياً، بحيث تُصبح القراءة مُسليَّة أكثر، وجذابة للعَين بطريقة علمية، ومُقاوِمة لملل القارئ، وهو ما سعى المُشاركون الخمسة عشر لتجسيده في مشاريعهم مختلفة الموضوعات، عبر تكثيف زبدة القول بعيداً عن الإنشائيات الخطابية واللغو وهرف الكلام. وكأن ما دمرته الحرب في سوريا يسعى الخريجون الجدد لإعادة إعماره معلوماتياً وثقافياً بالدرجة الأولى، فحُطام الذاكرة والمعرفة الحقَّة هو ما ينبغي ترميمه أولاً».
يذكر أن المشاركين في الورشة والمعرض هم: لانا دياب، يزن بقاعي، فرح الفاخوري، منال صبح، نسرين العبدالله، ساندرين شماس، جولي راجحة، سارة الخطيب، مايا إبراهيم، نغم الآغا، إنانا الحمصي، جاك النعمة، ألمى المجتهد، ماسة عرب، وئام نعنوع.