بعد عام ونصف عام على إطلاقها، تخضع «رؤية محمد بن سلمان» الاقتصادية للامتحان الأوّل، على الرغم من تسرّع الحكومة في «التحول الاقتصادي» الذي حذر منه معظم الخبراء الاقتصاديين. هل ينتفع السعوديون من رؤية 2030؟ سؤالٌ، جزء من جوابه سيكون في الـ21 من الشهر الحالي، إذ سيتم أول إيداع للمستحقين من برنامج «حساب المواطن» في دورته الأولى، وسيكون مصاحباً معها الإعلانُ عن المبالغ وتفاصيلها بشكل واضح.
ومع مرور عام كان الأصعب على المواطن السعودي نظراً إلى أزمة التمويل، الناتجة من التقشف الحكومي ونقص التمويل المتاح في البنوك المحلية، لا يعوّل السعوديون، ذوو الدخل المنخفض والمتوسط، على «حساب المواطن» في العام الجديد، في ظل إجراءات اقتصادية تنتظرهم، تجعل منه برنامجاً «بلا جدوى»، يعيد بعضاً من التكاليف الاضافية التي ستنتج من «إصلاحات» ولي العهد.
ومع إقرار الحكومة، الأسبوع الماضي، رفع الدعم عن أسعار منتجات الطاقة والمياه والكهرباء اعتباراً من بداية العام الجديد، في ظل انخفاض أسعار النفط، تستعد «الهيئة العامة للزكاة والدخل» لتطبيق «ضريبة القيمة المضافة» بنسبة 5%، اعتباراً من الأول من كانون الثاني المقبل، عن 13 سلعة أساسية من المنتجات التي ستفرض عليها الضريبة، من بينها المواد الغذائية والتعليم والرعاية الصحية، ما يعود على الحكومة بإيرادات ضخمة، رفض مدير العمليات للضريبة، حمود الحربي، أمس، الإفصاح عنها، رداً على سؤال في حديث مع قناة «العربية». أما السلع المعفاة من الضريبة، فهي في ارتفاع أيضاً على إثر رفع الدعم عن الطاقة بشكل غير مباشر.

تقدّم 13 مليون فرد لبرنامج «حساب المواطن»


رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية والخدمات «يتعارض مع تنمية وخدمة المواطن السعودي العادي»، بحسب الخبيرة الأميركية كارن اي يونغ، التي أوضحت في بحث نشرته في «معهد دول الخليج للدراسات» في واشنطن، أن التسرع في خفض الوظائف الحكومية ورفع الدعم عن فواتير الكهرباء والماء والوقود، يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة، وبالتالي زيادة معدلات الفقر.
وعلى الرغم من «بوادر» الانتقال إلى «نظام جبائي» يثقل كاهل المواطن السعودي، جاء الإعلان عن «الميزانية التاريخية» أمس أشبه بإعلان «نجاح» رؤية 2030 الهادفة إلى تقليص الاعتماد على النفط، وهو ما ركّز عليه الملك سلمان وولي عهده محمد، أثناء إعلان الميزانية وبعده. وفي كلمته، كشف ابن سلمان عن أنّ «تمويل ما يقارب 50 في المئة من ميزانية هذا العام، من دخل ومصادر غير نفطية»، فيما يبدو أن أحد أهم هذه المصادر ما ستوفره الحكومة من خفض الدعم عن الطاقة، ما من شأنه توفير ما يقارب 370 مليار ريال عن الميزانية (أي ما يفوق ثلث ميزانية 2018)، إذ إن الدعم انخفض من 400 مليار ريال إلى 30 مليار ريال، ليذهب المبلغ الأخير إلى «المستحقين لحساب المواطن» فقط، في حين تركت الميزانية الجديدة للحكومة هامشاً عريضاً في تحديد المبلغ المخصص للدعم، من خلال تحديد مصروفات المستفيد كل ثلاثة أشهر، ما يعني أنّ الدعم غير ثابت، ويخضع لمزاج السلطة الاقتصادي، مع الإشارة إلى أنّ مقدار التعويض سيكون مساوياً للزيادة في فواتير الاستهلاك بناءً على معدل الدخل، وهذا يتطلب من المواطن السعودي الاستعداد والتكيّف مع مرحلة جديدة لا بد فيها من تعديل سلوكياته الاستهلاكية ليتمكن من تسيير حياته بأقل الأضرار.
وفيما يعتبر الدخل أحد أهم العناصر التي يُعتمد عليها في تحديد قيمة استحقاق البرنامج، من غير المتوقع أن يكون «حساب المواطن» قادراً على تعويض انخفاض متوسط دخل الفرد إلى أكثر من 9%، بعد توقف العلاوة السنوية. فاحتساب قيمة الدعم، كما أوضح وزير العمل علي الغفيص، سيتم على أساس الدخل الشهري للأسرة وليس قيمة الراتب، أي إن العمليات التجارية والاستثمارات تدخل في إطارها، وهي آلية لا تُنصف رب الأسرة، إذ إن الرجل هو المكلف شرعاً (قانوناً) بالصرف على زوجته ومنزله وليس الزوجة.

الشعب: كلنا فقراء!

عدد الذين تقدموا لـ«حساب المواطن»، البالغ 13 مليون فرد، يكشف أن نسبة الفقر في السعودية مرتفعة جداً، إذ يمثل المستحقون للدعم نسبة 64% من مجمل سكان المملكة، ما يعني أنّ أقل من 1% من السعوديين لم يتقدموا للتسجيل فقط! فبحسب «الهيئة العامة للإحصاء»، بلغ عدد السعوديين حوالى 20.4 مليون نسمة، وهو ما يعادل 63% من إجمالي عدد السكان. وتبدو هذه النسبة أكبر بكثير مما أعلن عنه محمد بن سلمان، في حلقة مع برنامجه «الثامنة» على قناة «العربية» في أيار الماضي، بأنّ عدد المستفيدين سيكون «أقل من 10 ملايين بقليل»، وهي أرقام تمثل نسبة كبيرة، تشير إلى ارتفاع نسبة الفقر، وبدا ذلك واضحاً في تصريح للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، خلال زيارته المملكة في نيسان الماضي، وحديثه عن مشاهدات «صادمة». إلا أنّ بيانات المؤسسات الدولية لا تشير إلى هذا الموضوع لاعتبار التكتم الشديد من قبل الدوائر الرسمية، ولم تصدر عن مؤسسة حكومية أرقام رسمية يمكن الاعتماد عليها بشأن أعداد الفقراء، ما يجعل التقديرات مستحيلة بشأن المليارات القليلة التي ستتكلفها الدولة على «حساب المواطن»، أما تقديرات التقارير غير الرسمية، فتتراوح ما بين 12.5% (2.4 مليون) و25% (5.1 ملايين)، من إجمالي عدد السعوديين، وهي أرقام تطابقت مع تقديرات لصحيفة «واشنطن بوست» تشير إلى أن «ما بين مليونين وأربعة ملايين سعودي يعيشون على أقل من 530 دولاراً شهرياً (أي 17 دولاراً يومياً)»، وأن «الدولة تخفي نسب الفقر».
ترتبط نسبة الفقر بالبطالة التي تقدر بحوالى 13 في المئة من عدد السكان، كأحد أبرز مؤشرات تفاقم الأزمات المعيشية، ومن مظاهرها، عدم امتلاك نسبة كبيرة من السعوديين لمسكن خاص، تقدر بـ40%، إذ تؤكد مصلحة الإحصاءات السعودية أن 60% من السعوديين يملكون مساكن فقط، على الرغم من البرامج الحكومية التي تدّعي تقديم الدعم والقروض للمواطنين عبر «الصندوق العقاري للتنمية» المنضوي تحت «صندوق التنمية الوطني»، وهو أحد مصادر الإنفاق الأساسية الثلاثة للعام الجديد، التي حددها محمد بن سلمان أمس.