لم تختلف الزيارة التي قام بها الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري للضنية نهاية الأسبوع الماضي، في الشكل، عن الزيارة التي قام بها للمنطقة في 26 تشرين الأول الماضي. لكن مضمون الزيارة الأخيرة مقارنة بالزيارة الأولى كان لافتاً في أكثر من محطة، أبرزها غياب النائب أحمد فتفت في المرتين عن استقبال الحريري، لوجوده خارج لبنان في زيارة خاصة، وهو كلف نجله سامي المهمة، ما طرح تساؤلات عن حقيقة الخلاف بين فتفت ومرجعيته، خصوصاً بعدما أعلن فتفت الصمت منذ فترة، على غير عادته، حتى لا يثير حفيظة الرئيس سعد الحريري بسبب مواقفه المتحفظة على التسوية السياسية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ووسط تسريبات وجهت فيها أصابع الاتهام إلى فتفت بأنه كان أحد الذين طعنوا الحريري في الظهر خلال أزمته في السعودية، وأن الأخير وضعه على لائحته «السوداء» وسيذكره من ضمن من سيذكرهم إذا بقّ البحصة.لكن هذا الخلاف نفاه الطرفان خلال توقف الحريري في إحدى محطات جولته في الضنية. إذ أكد سامي نجل النائب فتفت في لقاء شارك فيه الأمين العام لتيار المستقبل في منزل المقاول أحمد شحادة فتفت، أنه «مهما حصل فإن العائلة مستمرة مع الرئيس سعد الحريري». وبرغم اعترافه بأنه «مررنا بأزمة كبيرة»، فقد اعتبر أن «وجود خلاف بيننا وبين الحريري فكرة خلقها البعض، وهم موهومون. علاقة عمرها 17 سنة لا يستطيع أحد الدخول إليها».

هذا الموقف لاقاه الأمين العام للتيار الأزرق في منتصف الطريق، عندما دعا من سمّاهم «المصطادين في الماء العكر إلى أن لا يدخلوا بين البصلة وقشرتها»، موضحاً أن العلاقة بين الحريري وفتفت «متجذرة قبل عام 2005، وأن الذين آمنوا بخط رفيق الحريري وعملوا معه برغم كل المضايقات، وناضلوا معنا، مزروعون في القلب».
غير أن هذا الكلام في الشكل وأمام جمهور فتفت من أجل احتواء الخلاف وتأجيل انفجاره، لا يعكس حقيقة ما يجري في الغرف المغلقة وخلف الكواليس بين الطرفين، خصوصاً أن الحريري أرسل إشارة حملت أكثر من معنى لافت، بقوله إنه «لا تهمنا المناصب ولا المراكز، ولا نائب أو وزير بالناقص أو بالزائد، بل تهمنا حماية لبنان واستقراره»، وهي أول إشارة من هذا النوع يرسلها الحريري ويعلن فيها «زهد» تياره بالمقاعد النيابية والوزارية.

كمية الزفت التي جلبها الصمد في عام واحد تزيد على ما جلبه النائبان منذ عام 2009


غير أن عفّة النفس لدى الحريري هذه لم تأتِ من فراغ، إذ يدرك التيار الأزرق أن أحد مقعدي الضنية النيابيين سيخسرهما نتيجة القانون الانتخابي الجديد، وأن الأزمة داخل تيار المستقبل في الضنية أكبر من أن تحتويها كلمات عاطفية، لأن الخلاف بين جناحي فتفت والحريري داخل منسقية التيار الأزرق في المنطقة يكاد يعطل دورها، ولأن تراجع شعبية تيار المستقبل في الضنية بسبب تقاعس نائبي المنطقة، فتفت وقاسم عبد العزيز، عن القيام بواجبهما، يدفع الحريري إلى سدّ النقص عوضاً عنهما. وهو لهذه الغاية بات يخصص في كل زيارة له للضنية وقتاً للقيام بواجبات التعزية، التي تأخذ وقتاً يزيد على نصف وقت جولته.
وكما في زيارته السابقة، لم يحمل الحريري معه إلى الضنية أي مشروع إنمائي أو خدماتي، وهو لمس وضع تياره الصعب فيها من خلال الحشد الشعبي الضعيف الذي كان في استقباله، وبعدما وصلت إلى أسماعه تعليقات من كوادر التيار ومناصريه في المنطقة على أداء النائبين. ولفته بعضهم إلى أن كمية الزفت التي جلبها النائب السابق جهاد الصمد للمنطقة هذه السنة، تزيد على ما جلبه النائبان فتفت وعبد العزيز منذ عام 2009.