أزمة اللغة العربيّة من أزمة بعضِ المعلمين والمعلمات. هذا ما يقوله سماح ادريس، رئيس تحرير مجلة «الآداب» وكاتب للأطفال. بحسب ادريس، ليس لدى جزء كبير من معلمي العربية ثقافة لغوية واسعة. فهؤلاء يؤنّبون التلامذة بتهمة اقتراف «جرم» العاميّة (كاستخدامهم حطّ وكبّ وغيرها) قبل أن يتحقق المعلمون من أصل الكلمة في الفصحى نفسها، فمراجعة أي قاموس قديم أو معجم حديث ستظهر لهم بالحد الأدنى بأنّ ما توهموه عامياً هو فصيح.برأيه، التفاصح بترسيخ المباينة المطلقة بين الفصيحة والعامية ينفّرالأطفال من اللغة ويجعلهم منفصمين عن واقعهم، وهم يشعرون كل الوقت بأنهم يسيرون في حقلٍ من الألغام كلّما كتبوا كلمةً بالعربيّة.

والتأنيبُ نفسُه يلقاه، مِن المعلم أو المعلمة، مؤلّفُ كتب الأطفال إن أدخل كلمة أجنبيّة أو عامّيّة في أحد كتبه. يذكر إدريس أنّ إحدى المعلمات اعترضتْ على السماح بإدخال كتبه إلى مكتبةِ مدْرسةٍ لبنانيّة لأنه استخدم كلمةَ «أوكي» على لسان طفلٍ صغير، في قصّةٍ له، هي قصّةُ الكوسى. المعلمة، كما يقول ادريس، كانت تمارس دورَ «السلطة اللغويّة» من دون أدنى نقاش، ومن دون أن تستمعَ إلى مقولاتٍ فنّيّة أسلوبيّةٍ من قبيل أنّ «الواقعيّة» في الفنّ قد تُلزم الكاتبَ بإدراج بعضِ الكلمات والتعابير من خارج اللغة العربيّة، وخصوصًا في الحوار، من دون أن يتسبّبَ ذلك في تشويه أخلاق الأطفال أو انهيارِ صرحِ اللغة العربيّة!
بالنسبة إلى ادريس الهدف الأوحد هو تطوير المخزون اللغوي للطفل، وبالتالي لا يمكن أن نحشر في صفحتين في كتاب مدرسي معتمد لتلميذ عمره 12 سنة كلمات عويصة لا يفقه منها شيئاً مثل: أسبغ، نابٍ، هراء، أقحاح، الجزية، المضامير، همجيتها، دياجير، وربقة، وهنا يمكن أن نقدم له كلمة جديدة واحدة في الصفحة.
يعرب ادريس عن اعتقاده بأنّ من يمتلك فرصة القراءة بلغة أجنبية سيذهب إليها حتماً لأن مستخدمها أكثر رشاقة وأقل تشنجاً. من هنا المطلوب، كما يقول، تقريب الطفل إلى العمل الأدبي لا أن يصبح الأخير مسطرة يضرب بها، وهذا يستوجب المزيد من المرونة والانفتاح، فاللغة وسيلة وليست هدفاً في ذاته، والإنسان لم يخلق ليخدم اللغة.