بات واضحاً أن للضمان الاجتماعي ولصندوق تعويضات أفراد الهيئات التعليمية في المدارس الخاصة متأخرات لم تسددها مدارس كثيرة في السنوات الماضية، إما لتعثرها المالي أو لتجاوز بعضها القانون وعدم سداد مستحقاتها لهاتين المؤسستين بحسب الأصول.الأرقام التي عرفناها («الأخبار»/ 4/12/2017) ليست قليلة.

فهناك نحو 16 مليار ليرة متأخرات على مدارس المقاصد والمبرات ومؤسسات أمل التربوية والعرفان، عدا عن تأخر كل المدارس الخاصة في تسديد اشتراكاتها لعام 2016/2017، ناهيك عن تلك التي لم تسدد اشتراكاتها للضمان الصحي عن المعلمين.
والقول إنّ «المدارس لم تسدد...» يخفف من وطأة المخالفة. إذ أن المدارس الخاصة، كمؤسسات لا تبغي الربح، تخضع لقانون مختلف عن قانون الشركات التجارية. وموازنتها السنوية يجب ألا تتضمن أرباحاً أو خسائر في نهاية العام المالي، وعليها أن تسدد كل ما لها وعليها قبل إقفال الموازنة السنوية. وأي متأخرات أو تسديد لمتأخرات في الأعوام اللاحقة يجب أنّ تتضمنه الموازنة السنوية بحسب تاريخ التسديد.
عندما يدفع الأهل الأقساط، تكون من ضمنها اشتراكات المعلمين/ات في صندوقي التعويضات والضمان، كما هو محدد في الموازنات المدرسية. إذ يُقتطع 6% من راتب المعلم للصندوق و2% للضمان الصحي، ويغطي الأهل 6% مما تبقى من الاشتراكات عبر الأقساط و7% للضمان الصحي. هذا يعني أن الأهل، فعلياً، هم من يدفع كل الحصة ومن ضمنها رواتب المعلمين/ات، فيما يقتصر عمل الإدارة المدرسية مالياً على إدارة الإيرادات والنفقات، وليس حجبها أو عدم تسديدها لمستحقيها. لذلك، وفي حال عدم سداد الاشتراكات للصندوق أو الضمان، يكون ذلك بمثابة إساءة للأمانة. فالأهل، بناء لطلب الإدارة المدرسية، سددوا القسط السنوي ومن ضمنه اشتراكات الصندوق والضمان. لكن هذه الإدارة لم تحول هذه الأمانة (الاشتراكات) إلى الصناديق المختصة.
المبالغ التي نتحدث عنها ليست قليلة. فهي، على سبيل المثال، توازي 21% من مجموع أساس الرواتب للمعلمين والتي تصل إلى 2.5 مليار ليرة سنوياً في مدرسة تضم 100 معلم/ة، أي ما يتجاوز 500 مليون ليرة متأخرات عن كل سنة لهذه المدرسة. وفي ترجمتها على الأقساط المدرسية المتوجبة على الأهل، فهم يسددون ما يقارب 500 الف ليرة سنوياً عن كل تلميذ/ة لسداد اشتراكات لم تدفعها المدرسة الى الصناديق المعنية على الوقت، وبالتالي ستتحملها موازنات السنوات اللاحقة وتضاف إلى الأقساط مجدداً، كون العام المالي للمدرسة يقفل سنوياً عند نهاية العام.
في الواقع لا توجد آلية رقابة واضحة ولا اجراءات عقابية فعالة تجاه هذا التأخر في السداد. لكن تراكم المتأخرات إلى 9 مليارات ليرة، كحال المقاصد مثلاً، أو مؤسسات أمل التربوية (6 مليارات)، وعدم قدرة المؤسسة على سدادها من موازناتها، تطرح تساؤلات عدة، منها التسويات التي قد تُطرح لحل هذه الأزمة وماذا ستكون التسوية؟ فهل يقبل المعلمون التنازل عن جزء من حقوقهم لإجراء التسوية؟ وهل يقبل الأهل المشاركة في التسوية للحفاظ على المؤسسة التعليمية التي تعلّم أولادهم؟ وهل يقوم المتبرعون وأصحاب الأيادي الخيرة بسداد هذه الديون؟
الأساس، برأينا، هو الإخلال بالعهد الذي التزمت به الإدارة المدرسية تجاه الأهل. فهي أساءت الأمانة. وحتى المبررات الأساسية، كامتناع الدولة عن سداد مستحقاتها للمدارس المجانية، لا تبرر إساءة استخدام أموال الأهل والمعلمين في غير مكانها. أن تتحجج المدارس بالتعثر المالي والمتكرر، فهذا يعني سوء إدارة ورؤية وتنظيم وعدم أهلية، وليس على الأهل أو المعلمين/ات تحمّل عبء العيب. وحقهم المطالبة به عبر القنوات القضائية، وليس عبر التسويات التي تخرج دائماً بأنصاف حلول يدفعها المعلمون/ات والأهالي.
*باحث في التربية والفنون