لعبت المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) دوراً كبيراً في استنهاض الشباب العراقي، ودفعهم نحو جبهات القتال، إبّان سقوط المدن بيد تنظيم «داعش» في حزيران 2014. بيّنت «فتوى الجهاد»، التي دعت إلى «الدفاع الكفائي»، دور المرجعية في صياغة المشهد العراقي في اللحظات المفصلية، وحكاية «الحشد» التي بدأت في 13 حزيران 2014 لم تختتم فصولها بعد. من المنبر عينه، وفي يوم الجمعة أيضاً، كان للمرجعية موقف «واضح» إزاء مشروعها، بعد أيّامٍ عن إعلان رئيس الحكومة حيدر العبادي «النصر النهائي»، وفي غمرة الحديث عن مستقبل «الحشد» ومصير «فتوى الجهاد».
وكيل المرجعية في كربلاء، والأمين العام لـ«العتبة الحسينية» عبد المهدي الكربلائي، حدّد أمس الإطار العام لـ«الحشد»، ومساره في المرحلة المقبلة، ذلك أن «عمادة النصر» على الإرهاب بات رهينة «البازار الانتخابي» (ستجري الدورة المقبلة للانتخابات النيابية في أيّار 2018)، بين إمكانية مشاركته في العملية الانتخابية، أي دخوله اللعبة السياسية من بابها الواسع، من جهة، ومحاولة بعض الأطراف إبعاده عن ذلك، وحصره في إطاره المؤسّساتي الأمني ــ العسكري، ليس حبّاً بالحفاظ على دوره وتضحياته «الجهادية»، بل خوفاً من استثمار الفصائل لتضحياتها في السنوات الثلاث الماضية ــ انتخابياً وسياسياً.

«الحشد» هو «ابن المرجعية وسلاحٌ لن تفرّط فيه أبداً»


ثمة مسافة شاسعة بين الحدثين تسمح بتأويل مصير «الحشد»، خاصّةً إذا ما ربط تأسيسه بتمدّد «داعش» وزواله، وحول طبيعة الأخطار المحدقة بالبلاد. من هنا كان خطاب الكربلائي أمس، وإعلانه أن «النصر على داعش لا يمثّل نهاية المعركة مع الإرهاب والإرهابيين، بل إن هذه المعركة ستستمر وتتواصل ما دام هناك أناس قد ضُلّلوا فاعتنقوا الفكر المتطرف» (يدور الحديث الآن عن تنظيم «الرايات البيضاء»، والذي خلف «داعش» في محيط قضاء الطوزخورماتو)، محذّراً من «التراخي في التعامل مع هذا الخطر المستمر، والتغاضي عن العناصر الإرهابية المستترة، والخلايا النائمة التي تتربص الفرص للنيل من الأمن والاستقرار».
الكربلائي عبّر عن رؤية المرجعية للواقع الميداني، فـ«الخطر ما زال قائماً»، وهذا يعني أن «فتوى الجهاد ما زالت سارية المفعول»، وأن «الصراع مع التنظيم وفلوله باقٍ، وغير محصورٍ في سياقه العسكري فقط، بل في سياقات تتضح تباعاً، أبرزها السياق الاستخباري والثقافي»، وفق مصادر «الحشد» التي تؤكّد في حديثها إلى «الأخبار» أن «خطبة أمس لا تقل أهميةً عن خطبة الجهاد»، فـ«النقاش الدائر حول مستقبل الحشد قد حُسم». وعلى هذا الصعيد، تكون المرجعية قد دفعت بمختلف القوى السياسية إلى المضيّ وفق رؤيتها، من دون أن تفسح في المجال أمام «التفسير أو التأويل».
ودعا الكربلائي إلى ضرورة «حصر السلاح بيد الدولة»، وهي خطوةٌ بدأت الفصائل بانتهاجها منذ أسبوعٍ تقريباً، بحيث أبقت على أذرعها العسكرية في «الحشد»، إلا أنها حوّلت مرجعيتها وقرارها إلى قيادة «الهيئة»، بالتوازي مع حفاظها على أذرعها السياسية، وأجهزتها الحزبية، إعلاناً منها لخوض الانتخابات المقبلة، التزاماً بأمر العبادي. دعوة الكربلائي تفرض على الفصائل التي «لم تركب موجة تسليم السلاح، تسليمه في الأيام القليلة المقبلة»، وفق العارفين بـ«أجواء النجف»، كي لا تُصبغ بصبغة «المعارضة لتوجهات المرجعية... وهو أمرٌ لا تحمد عقباه».
منجزات السنوات الماضية «يجب الحفاظ عليها... وعدم استغلالها لأغراض سياسية»، يقول الكربلائي، وهو توجّهٌ تريده المرجعية بفصل العمل السياسي عن العمل «الجهادي»، والحفاظ على «هويةٍ أصيلةٍ للحشد»، لا تشوبها شائبة، أو تحوم حولها شبهة. فـ«الحشد» بتعبير «عارفي النجف» هو «ابن المرجعية، وسلاحٌ لن تفرّط به أبداً، بل ستعمل على الحفاظ على هويته ضمن إطار الدولة، لا إطار الفصائل المحسوبة عليها، أو على دول الجوار (في إشارةٍ إلى الفصائل المحسوبة على إيران، والمنضوية ضمن «الحشد»)».
وحملت خطبة الجمعة دعماً واضحاً لخطوات العبادي «الإصلاحية»، متبنيةً خطواته في «الحرب على الفساد والمفسدين». وشدّد الكربلائي على ضرورة «التحرك بشكل جدّي وفعّال لمواجهة الفساد والمفسدين»، بوصفه «أولويات المرحلة المقبلة»، فـ«المعركة ضد الفساد التي تأخرت طويلاً، لا تقلّ ضراوة عن معركة الإرهاب إن لم تكن أشد وأقسى». وينقل أيضاً عن «عارفي النجف» أن المرجعية الدينية تشدُّ على أيدي أي طرفٍ أو قوى تحارب «الفساد والمفسدين»، آملاً بإعادة بناء الدولة، وما قاله الكربلائي سيكون بمثابة «الضوء الأخضر» للعبادي للمضي قدماً في حربه ضد «الفساد»، وإسقاط رموزه واستعادة أموال الدولة المنهوبة منذ 14 عاماً.
أما أكثر المواضيع «حساسية»، بالنسبة إلى المؤسسة الدينية، فهو «رعاية عوائل الشهداء، وتوفير الحياة الكريمة لهم، من حيث السكن، والصحة، والتعليم، والنفقات المعيشية»، وفق الكربلائي، باعتبار أن هذه «المهمة بالدرجة الأولى واجب الحكومة، ومجلس النواب، ويجب أن تقدّم على كثير من البنود الأخرى للميزانية العامة».
وحظي الخطاب بترحيبٍ واسع، وتأييدٍ سياسيّ كبير من قبل مختلف الأطراف، وعلى رأسها العبادي، الذي وجد في الخطاب رسالة دعمٍ من المرجعية لمواقفه وخطواته، وخريطةً عملية لبرنامجه السياسي في المرحلة المقبلة.
(الأخبار)




أصل «الرايات البيضاء»

بجديّةٍ بالغة، وتحذيرٍ من تفاقم خطورته، يسري الحديث عن تنظيم «الرايات البيضاء»، الخليفة المفترض لتنظيم «داعش»، شمالي شرقي العراق. وبالرغم من تشعّب انتماءات مسلحيها، فإن القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، غياث السورجي، تحدّث أمس عن «انتماءات ومنابع الجماعة الجديدة»، موضحاً أنهم «مجموعة من بقايا داعش، وجيش الطريقة النقشبندية، وعناصر من حزب البعث، الفارين من تلعفر والحويجة وديالى». وقال في تصريحات صحافية إن «هؤلاء العناصر فيهم من التركمان، والأكراد، والعرب، والأجانب، ويحملون نفس الأفكار والايديولوجيا الخاصّة بداعش، ولكن بثوب جديد، ورايتهم بيضاء يتوسطها رأس أسد».
بدورها، أكّدت «حركة النجباء» استعدادها للتصدي لأيّ جهةٍ تحاول النيل من وحدة البلاد، أو ضرب العملية السياسية. وقال المتحدث باسمها أبو وارث الموسوي إنه «عندما تخرج أية فئة إرهابية تريد زعزعة أمن واستقرار البلاد، فسوف نتصدى لها بكل ما أوتينا من قوة»، لافتاً إلى أن «الحشد أنهى عسكرة داعش، لكن هناك متعلقات كثيرة بالتنظيم، لا تزال الأجهزة الامنية على يقظة كبيرة لتصفيتها».
(الأخبار)