في أكثر من زاوية تجدها، تنتقل بسرعةٍ وحرفة، تؤدي دورها بكل جرأة وصلابة. هذا ما تتميز به راشيل كرم. لا تحاول مراسلة قناة «الجديد» أن تغطّي الخبر فقط، أو أن تكتفي بدور الشاهدة على عادة المراسل، بل إنّ المراسلة «الشجاعة» تنخرط في الحدث انخراطاً تاماً، حتى صارت دوماً الأقرب إلى الصورة وتغطيتها، خصوصاً في تظاهرة الأمس في عوكر. إذ تموضعت في أقرب نقطة من المتظاهرين، متميزةً عن بقية زملائها.
تقول لنا: «إذا رجعت إلى الخلف، فلن تستطيع الكاميرا التقاط المشهد المطلوب. لذلك، كي أغطّي الحدث، كان لا بد من أن أكون في الموقع الذي كنت فيه. وهذا أقل الواجب تجاه هؤلاء الشباب الغاضبين الذين يضعون أرواحهم وقلوبهم في هذه التظاهرة التي تعبّر عن مشاعرهم، فهي المنفذ الوحيد لهم».
خلال هذا النهار، بدا أن كاميرات المراسلين الآخرين، أبعد من المكان الذي وقفت فيه مراسلة «الجديد». ولا ريب في أن كثيرين منهم انسحبوا إلى المكان الذي لا تصلهم فيه تأثيرات قنابل الغاز أو «الرصاص المطاطي» الذي ألقي على المتظاهرين. كانت لافتةً الطريقة التي تصرّفت بها المراسلة اللبنانية حين أصبحت «جزءاً» من الحدث بحمايتها أحد المتظاهرين الذي كان يتعرّض للاعتداء من قبل القوى الأمنية، خصوصاً مع صرختها التي سمعها كل من تابع تغطية نقل تلفزيون «الجديد» للمظاهرة: «يا وطن ليش عم تضربه؟»، ثم صرختها الأعلى: «يا عمي ضربه عراسه». راشيل التي غطّت الشاب المتظاهر بجسدها كي تحميه من الضرب، خصوصاً أنه بدأ بالنزف من رأسه، تقول لنا: «أحد الشبان الموجودين بجانبي، لم يكن يفعل شيئاً، لم يهاجم أحداً. حين هجمت القوى الأمنية، برّحته ضرباً، لذلك وجدت نفسي أقف فوقه محاولة حمايته بجسدي كي لا يتعرض لمزيد من الضرب. تنبهت بعد ذلك إلى أنه أصيب في رأسه. لذلك لففت رأسه بالكوفية التي كانت معي. بدت آثار الدماء على يدي أثناء تغطيتي المباشرة». وقبل أن نسألها، تستدرك قائلةً: «هذا هو دور المراسل أيضاً. نحن في النهاية بشرٌ قبل أي شيء، ولا يمكن فصل دور المراسل عن دوره الإنساني والحقيقي كإنسان يرى أحداثاً مماثلة ولا يتدخّل فيها». لكن هل اعتدت القوى الأمنية على راشيل كإعلامية أو منعتها من أداء دورها؟ تجيب: «لقد هددني أحدهم بأنه سيكسر الكاميرا، فأجبته: يا ريت. لكن ذلك لم يحدث». عموماً، تتجنب القوى الأمنية عادةً الاعتداء على الإعلاميين؛ وتشير راشيل إلى «أنّنا نحن كصحافة نأخذ احترازاتنا عادةً، لكن هذا لا يعني أن لا تنالنا بعض الأمور».
هذا الهامش الهشّ بين عمل الإعلامي وقناعاته ومشاركته في الأحداث، يجعل العمل الإعلامي أكثر صعوبة ربما، لكن أكثر حقيقية وصدقاً؛ وبعيداً كل البعد عن الإعلام الاستعراضي الذي لا «يغني ولا يسمن من جوع». لكن الأداء الذي تميّزت به «الجديد»، وتحديداً مراسلتها، بدا في الساعات الأولى مرتبكاً، عندما كررت كرم سؤالها لكل متظاهر تلتقي به: «هل هناك جدوى من هذه التظاهرات؟»، «هل ستقوم الثورة بعدها؟». أسئلة لا معنى لها ربما، في لحظة هذا الحشد الشبابي في ساحة عوكر، يضاف إليها استغرابها من أسماء متظاهرين «مسيحيين»، ضمن هذه الحشود التي حجت إلى عوكر. لكن يسجل لكرم تصويبها المتكرر، أن القوى الأمنية هي من بادرت إلى الاعتداء على المتظاهرين لا العكس، بخلاف ما كان يروّج على بعض المنابر الإعلامية التي صوّرت المتظاهرين بأنهم من يقومون بأعمال الشغب.