الجزائر | يحلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الجزائر، في زيارة ليوم واحد فقط، يلتقي خلالها كبار المسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وسيجري خلال هذه الزيارة التباحث في القضايا التي تهم البلدين، وأبرزها مسائل مكافحة الإرهاب والوضع في منطقة الساحل والمصالحة في ليبيا، بالإضافة إلى تناول سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية.
وفي الظروف المحيطة بالزيارة، قال مصدر ديبلوماسي جزائري لـ«الأخبار»، إن هذه الزيارة تأتي في سياق «الدينامية الجديدة» في العلاقات الجزائرية ــ الفرنسية المتواصلة منذ إعلان الجزائر في كانون الأول 2012 (إعلان «الصداقة والتعاون»)، الذي رسم معالم الشراكة الاستثنائية بين البلدين. وأشار المصدر إلى أن ما يعكس ذلك هو الارتياح الذي سجّلته الجزائر بعد فوز ماكرون في الرئاسيات، حين وصفه الرئيس بوتفليقة بـ«صديق الجزائر».
أما بالنسبة إلى الطرف الفرنسي، فإن مجيء ماكرون يأتي في إطار «زيارة صداقة وعمل» تعبّر عن عمق العلاقات الجزائرية ــ الفرنسية، وليست «زيارة دولة» التي قد تتجسّد مستقبلاً، لأن الرئيس الفرنسي يظل منفتحاً على فكرة «زيارة دولة» في القريب العاجل، وفق ما ذكره «الإيليزيه» لصحافيين فرنسيين لإحاطتهم بظروف الزيارة.
ويشغل ملف الذاكرة حيّزاً كبيراً من اهتمامات المتابعين لزيارة ماكرون للجزائر، وذلك بسبب تصريحاته السابقة عندما كان مرشحاً للرئاسيات الفرنسية (فيفري/ شباط 2017 في الجزائر)، عندما قال إن بلاده ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال استعمارها للجزائر، وهي التصريحات التي ألهبت بشدة الحملة الانتخابية لماكرون في الرئاسيات الفرنسية، وسبّبت تراجعه في استطلاعات الرأي، قبل أن يضطر إلى تليين تصريحاته رضوخاً للضغط الذي فرضته لوبيات «الأقدام السوداء («الكولون» الفرنسي في الجزائر)» و«الحركى (الجزائريون الذين وقفوا إلى جانب المستعمر)».
ونظراً إلى أهمية موضوع الذاكرة، استبق ماكرون زيارته للجزائر بإطلاق تصريحات توضح ما يعتقده بهذا الخصوص، بما خيّب آمال الكثيرين ممن كانوا ينتظرون منه جرأة إضافية. وأجاب خلال زيارته لغانا، طالبةً طرحت عليه سؤال الذاكرة الاستعمارية لبلاده، قائلاً: «لن أقول إن فرنسا ستدفع تعويضات أو تعترف، سيكون ذلك سخيفاً... لا بدّ أن تكون هناك مصالحة للذاكرة».
وأضاف: «بشأن تاريخ فرنسا في إفريقيا، يجب أن نتحدث عن هذه الصفحات السوداء والمجيدة، وهناك عمل تاريخي يجب أن يتواصل». وتابع قائلاً: «قلت دائماً لا إنكار ولا اعتذار، لا بد من رؤية الأشياء أمامنا هذا تاريخنا المشترك... وإلا فسنبقى في فخ هذا التاريخ الذي هو بلا نهاية».
وتنطلق فكرة ماكرون في رؤيته لموضوع الذاكرة الاستعمارية، من ضرورة «قلب الصفحة» لأن الوقت آن لذلك. ويبني هذا الموقف انطلاقاً من كونه رئيساً شاباً ولم يعش الفترة الاستعمارية، وبالتالي ليس عليه تحمل ذنب اقترفه أجداده. ويحاول باستعمال هذا المنطق مخاطبة الشباب الجزائري، بوجوب أن يتجاوزوا الماضي الاستعماري، من أجل النظر إلى المستقبل. هذه الفكرة يؤكدها المؤرخ المتخصص في التاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر بن جامين ستورا، الذي قال إن «الرئيس ماكرون لديه ميزة تختلف عن سابقيه، وهي أنه ليس لديه رابط مباشر مع هذا الماضي الأليم، وبالتالي هو ينتمي إلى جيل ليس في أجندته مسألة الشعور بالذنب من الماضي الاستعماري، وهذا ما قد يساعد على تسهيل العلاقات بين البلدين».
بيد أن هذه النظرة تبدو مرفوضة في الجزائر التي تحدث فيها الطيب زيتوني، وزير المجاهدين (قدامى المحاربين الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي)، عن شروط الجزائر من أجل طيّ ملف الذاكرة. وقال للإذاعة الوطنية مستشهداً بكلام الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين: «إننا مستعدون لطيّ الصفحة، لكن لن نمزقها». وتحدث الوزير عن رفض إقامة علاقات جيدة «ولا حتى طبيعية» مع فرنسا، «إلا إذا تعاطت إيجابياً مع أربعة ملفات مرتبطة بالذاكرة»، التي هي «أرشيف ثورة التحرير، ومصير المفقودين أثناء الحرب، والتعويض عن أضرار التجارب النووية في الصحراء، واستعادة جماجم شهداء الثورات الشعبية المعروضة في متحف الإنسان في باريس».
غير أن هذا الخطاب الرسمي لا يجد طريقاً له للتجسيد في الواقع، ويبقى للاستهلاك فقط. ويقول الصحافي المتابع للعلاقات الجزائرية ــ الفرنسية بوعلام غمراسة لـ«الأخبار» في هذا الشأن، إنه «لا توجد إرادة من جانب الجزائر لدفع فرنسا إلى التعاطي إيجابياً مع المطالب المرتبطة بالذاكرة». ويضيف: «ظاهرياً، السلطات العليا لا تبدي اهتماماً بهذا الملف، الذي يخوض فيها عادة وزير المجاهدين والأمين العام لمنظمة المجاهدين». ويوضح أنه «كانت هناك محاولة عام 2010 لسنّ قانون يجرّم الاستعمار، لكن الرئيس بوتفليقة أجهض المبادرة، لما بلغه أن الحكومة الفرنسية لم يعجبها الأمر».