لم تعلن النبطية (جنوب لبنان) الحداد أول من أمس الأحد ولم تقف دقيقة صمت. ربّما قلّة من شعروا بأنّ المدينة فقدت قيمة مضافة استثنائية بالإقفال الثاني لـ «سينما ستارز» التي لم تكمل عامها الثاني بعد إعادة افتتاحها إثر غياب دام 27 عاماً . بهجة الجو الربيعي كانت طاغية على المدينة وأهلها. بعيداً عن ذلك الصخب، كانت مجموعة صغيرة في زقاق هامشي ضيق تشيّع السينما والمسرح.
كأنّهم يحضرون جنازة أعز الناس، مشاركين أعضاء فريق النبطية في «مسرح قاسم اسطنبولي» في الفجيعة. على جدار، اتكأ النازح السوري «باسل» يبكي بحرقة. وأمام الباب المؤدي إلى المسرح، وقفت «دانيا» ابنة النبطية مذهولة وهي تشهد على الإقفال الثاني لآخر دار سينما في المنطقة من الزمن الجميل. أما «مريم» (60 عاماً) التي كانت تحضر مع أولادها صفوف التمثيل، فقد فقدت مساحة للتعبير عن نفسها.
مصير «سينما الحمرا» في صور التي أعاد اسطنبولي تأهيلها وافتتاحها قبل أن يقرر مالكها استعادة المبنى وإقفاله، تكرّر مع «سينما ستارز». لكن التفاصيل هنا أكثر وجعاً. السينما التي تقع في طبقة سفلية في مبنى متهالك، قرّر مالكها بيعها بعدما كان قد وافق على تأجيرها لاسطنبولي لمدّة محدّدة. في تلك الفترة، تكبّد الفريق نفقات باهظة لترميمها وإزالة الردم بعدما تحوّلت إلى خربة مهجورة تعبث بها الحشرات والجرذان. لم يمض العام الأوّل على تشغيلها، حتى لوّح المالك بنيّته بيع السينما بمبلغ 75 ألف دولار أميركي. تمسّكاً برمزيتها في الذاكرة الجماعية للمنطقة، أطلقت «جمعية تيرو للفنون» التي يرأسها قاسم اسطنبولي حملة إلكترونية لجمع التبرّعات لشراء السينما تحت شعار «لإنقاذ «سينما ستارز» من الإقفال». على مدى أشهر، استطاعت جمع المبلغ اللازم من متطوعين ونشطاء وهيئات محلية وعربية وأجنبية.
لكن بحسب اسطنبولي، فإنه قبل أيّام قليلة من موعد توقيع عقد البيع بينه وبين الجمعية، «أبلغنا المالك بأنّه باعها لطرف آخر دفع مبلغاً أكبر». لم يتمكّن اسطنبولي من الاطلاع على عقد البيع للتأكد بأن الصفقة قد تمّت بالفعل. فهل بيعت السينما أم أنّها كانت حجة لإعادة إقفال المكان الذي تحوّل أخيراً إلى مركز ثقافي حرّ ومجاني يقدّم عروضاً سينمائية ومسرحية وموسيقية وورشات تدريبية على فنون المسرح والتمثيل؟ حتى أنّ النهاية لم تكن صامتة. كان ختامها مع فيلم «عش من تورتليدوف» في إطار «مهرجان الأفلام الأوكرانية» الذي نُظّم في السينما.
«أعيش أسوأ لحظات حياتي. أظل أتنقل من مكان إلى آخر». يقول قاسم اسطنبولي في حديث لـ «الأخبار». هو المنهمك مع المتطوّعين والهواة الذين يعدون حوالى 47 شخصاً لبنانياً وسورياً وفلسطينياً، في جمع الأغراض وإزالة ملصقات الأفلام القديمة وشرائط الأفلام المعلقة كلوحات خالدة، وتوضيبها في صناديق. قبل أربع سنوات، واجه اسطنبولي الموقف ذاته عندما أُخرج من «سينما الحمرا» بحجة أنّ المالك ينوي هدمها وإقامة موقف للسيارات. السينما لم تُهدم ولا تزال مقفلة، فيما انتقل المسرح إلى «سينما ريفولي» في صور القديمة. النبطية خسرت «ستارز» التي جلبت فنون العالم إليها ضمن مهرجانات الشعر الملحمي وأفلام المئة ثانية وأيّام بيروت السينمائية والموسيقى الأصيلة... إلا أن اسطنبولي لم يُهزم. يؤكد أنّه سيبحث عن مكان آخر في المدينة الجنوبية لنقل الأنشطة إليه.