الرباط | في الفترة الأخيرة، دخل «اتحاد كتاب المغرب» إلى منطقة اضطرابات قد ترغمه على الهبوط الاضطراري. فقد بات إغلاق باب الاتحاد أمراً وارداً، بعدما استمر مكتبه التنفيذي الحالي بالعمل سنتين إضافيتين خارج الفترة القانونية، التي يفترض أن تنتهي فور انعقاد المؤتمر الأخير (سبتمبر 2015) الذي لم ينعقد حتى الآن. بل إن مكتب الاتحاد دعا الاثنين الماضي إلى تأجيله من جديد لأجل غير معلوم، بعدما كان مقرراً انعقاده ايام 24 و 25 و 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، غير أن «اتحاد الكتاب العرب» أصدر الخميس الأخير بياناً يرى فيه أن هذا التأجيل غير مبرّر. وبالتالي فاستمرار المكتب التنفيذي الحالي في ممارسة نشاطاته يعتبر غير قانوني، وفقاً للمادة الثالثة من النظام الأساس للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
وبدأت عربات قطار الاتحاد تهتز على سكة غامضة منذ أن عمل عضوان من مكتبه التنفيذي على تجميد العضوية بسبب اختلافات مع الرئيس، تلته انسحابات جماعية من لدن عشرات الأعضاء، وإصدار بيانات تنتقد الطريقة التي يسير بها الاتحاد.

لكنّ الأيام الأخيرة الماضية عرفت تحولات غير مسبوقة في تاريخ هذه المؤسسة الثقافية ذات البعد الرمزي الخاص. فقد أصدرت عضو من المكتب التنفيذي بياناً مطولاً يتوقف بشكل مفصل عند ما أسمته بـ «اختلاسات مادية»، و«فضائح جنسية» داخل المكتب المسير، مما جعل هذا الأخير يصدر بياناً مقابلاً يطرد فيه الكاتبة، ويؤكد أن الأمور ستؤول إلى القضاء. وقد أصدرت الكاتبة بياناً آخر تشير فيه إلى أن هذا الطرد غير قانوني، وأنها مستعدة لدخول المحاكم ما دامت تملك أدلة على كل ما جاء به بيانها الأول. وقد تلقت الأوساط الثقافية والإعلامية هذه التطورات بكثير من الدهشة والاستغراب، فلا أحد يتمنى أن يصل الاتحاد إلى هذا الوضع المتأزم، الذي لم يصله من قبل. فما الذي حدث حتى تحول «اتحاد كتاب المغرب» من مؤسسة ثقافية ظهرت إلى الوجود منذ مطلع الستينات من أجل «الدفاع عن حقوق الكتّاب» و«ترشيد الممارسة الثقافية الملتزمة» إلى فضاء للصراع وتبادل التهم وحرب البيانات؟

بيانات هذه المؤسسة
الثقافية صارت مشابهة
للخطابات الرسمية للدولة

لقد كان الاتحاد بالفعل يشكل قلعة للمثقفين المغاربة سواء في مرحلة امتداد الحركة الوطنية (مع رئيسه الأول محمد عزيز الحبابي أو رئيسه الثاني عبد الكريم غلاب أحد رموز حزب الاستقلال)، أو في مرحلة اليسار الكلاسيكي (مع محمد برادة، أحمد اليابوري، محمد الأشعري، عبد الرفيع الجواهري وحسن نجمي، وكلهم من رموز الاتحاد الاشتراكي).
صحيح أن اتحاد الكتاب كان امتداداً أو على الأقل تقاطعاً كبيراً مع حزب الاتحاد الاشتراكي منذ أواسط السبعينات إلى نهاية التسعينات، لكنّه كان قوياً في زمن قوة هذا الحزب، وبالتالي بدأت يضعف مع بدايات ضعفه. ومثلما كانت مرحلة التناوب السياسي في نهاية التسعينات مرحلة مفصلية وحاسمة في تاريخ الحزب، كانت أيضاً نقطة تحول في تاريخ اتحاد الكتاب. ومثلما كان مفكر كبير مثل محمد عابد الجابري عضواً في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، كانت أسماء ثقافية وازنة هي التي تقود سفينة اتحاد الكتاب، أسماء ليس لها وزن في الساحة الثقافية فحسب، بل لها أيضاً رؤية سياسية ونقدية، ومواقف مُتبنّاة، وقدرة على الدفاع عن هذه المواقف.
لقد كان اتحاد الكتاب يقف في صف الممانعة والمجابهة، أو على الأقل في صف الحذر، إذ كان حريصاً على ترك مسافة بينه وبين الدولة ونظامها السياسي، وكان الانضمام إلى الاتحاد مبعث فخر واعتزاز لدى أعضائه. ومع أفول تلك المرحلة، ستعيش المؤسسة زمن الهشاشة. فما حدث لاحقاً هو انقلاب تدريجي على تاريخ ومبادئ الاتحاد. هو لم يعد امتداداً لحزب ما، لكنه أصبح امتداداً للدولة نفسها، حتى إن من يقرأ خطابات وبيانات هذه المؤسسة الثقافية خلال الفترة الأخيرة، لن يجد أي فرق بينها وبين الخطابات الرسمية للدولة، بل إنها أحياناً تتبنى لغتها الرسمية المنمطة.
جمد كثير من الاتحاديين عضوياتهم، ليس التجميد الإداري فحسب، بل التجميد الفعلي، وهذا هو الأخطر. إذ لم يعودوا منشغلين بهموم الاتحاد، فقد ساد نوع من اللامبالاة وعدم الاكتراث، وعمّ بالتالي خطاب يقول بفكرة انقراض اتحاد كتاب المغرب أو موته.
ربما على الذين كانوا سبباً في الوصول إلى هذا الوضع، أو وجدوا أنفسهم في صف الأسباب، أن يتركوا مهمة القادة لآخرين، أن ينسحبوا لأن الصراع لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة، فهو اتحاد كتاب ومثقفين في النهاية، وليس شيئاً آخر. لكن أهم شيء يجب أن يفكر فيه الاتحاديون اليوم ليس تجديد الأشخاص والمكاتب فحسب، بل تجديد الرؤية وتحيين الخطاب، أن يعرف قادة الاتحاد والمنخرطون فيه وظيفتهم اليوم، ويكون لديهم تصور للمجتمع الثقافي الذي ينشدونه، أن يعرفوا الطريق قبل أن يضعوا أقدامهم فيها.