صحيح أن إسرائيل تحتل مراتب متقدمة في مجالات التكنولوجيا والزراعة والصناعة، لكن مركزها في مجال البناء «يذكّر بمثيله في الدول النامية»، والكلام للمهندس المدني، رئيس المعهد الوطني لبحوث البناء والعمارة في «التخنيون» (معهد إسرائيل التكنولوجي)، يحيائيل روزنفلد.
وبرغم أسعارها «الفلكية»، فإن الشقق السكنية في إسرائيل هي نتاج للتخطيط المتسرع الذي ينعكس على الجودة المنخفضة للبناء، وينتج شققاً تشوبها العيوب. والأخيرة لا تقتصر على المباني ضمن المشاريع، بل هي موجودة أيضاً في المباني العامة والبنى التحتية: من الأرصفة المليئة بالحفر، إلى الطرق المتصدعة، وصولاً إلى المكيفات التي تقطر ماءً على رؤوس المارة.
ووفق ما نقلته صحيفة «هآرتس» عن روزنفلد، فإن «مرضاً مزمناً أصاب حقل العمارة في إسرائيل، فيما يدير المسؤولون بينهم لعبة بينغ بونغ من الاتهامات». ويشرح أن «نقص الخبرة بات موجوداً في سلسلة الإنتاج الطويلة، فالبداية مع مهندسين بتخطيطات هندسية متوسطة (أو عادية) وسريعة، من دون مراقبة الجهات المعنية ومتابعتها، وصولاً إلى مقاولين يحاولون البقاء على قيد الحياة».
ويرى المهندس المدني أنه خلافاً لمجالات رئيسية في إسرائيل مثل الأطعمة، التي فيها شركات رائدة مثل «أوسيم» و«تنوفا»، أو مجال الطيران الذي فيه شركة مثل «إل ــ عال»، فإن مجال البناء موزّع بين أجسام كثيرة تنقل العمل من هذا إلى ذاك عبر المقاولات، الأمر الذي ينتج عدداً كبيراً من الأشخاص والشركات يتقاسمون كعكة من الأرباح الصغيرة.
بالإضافة إلى ذلك، يقول روزنفلد إنّ «مجال البناء العام والخاص يتطلب موافقات ومصادقات من سلطات التخطيط طوال مراحل البناء... هذه التراتبية هي أيضاً واحدة من الأسباب التي تعقد الأمور».
التقرير، الذي أعدته «هآرتس»، يقارن بين إسرائيل والدول الأوروبية ودول شمال أميركا، إذ «من يزور الدول الغربية يُدهش من جودة العمران وشكله، ولكن في إسرائيل المشكلة تبدأ من قانون المناقصات الذي يجبر المبادرين على طرح مناقصات في سلطات محلية محددة، ومنحها للمقاولين الذين يأخذونها بأقل سعر». في النتيجة، تُبنى مبانٍ رسمية مثل المقر الحكومي والوزارات بمعايير ذات جودة فائقة، لكن المدارس ورياض الأطفال تُبنى بجودة منخفضة.
أمّا مشترو الشقق، فإن «جودة البناء تصبح عنواناً مهماً فقط عندما تقع الكوارث، مثلما حدث قبل أعوام في مشروع غيندي السكني في مدينة الخضيرة، حيث انهارت واجهاته». ورغم أسعار المساكن «الفلكية» في فلسطين المحتلة، يتلقى «السكان في حالات كثيرة منتجاً ضعيفاً في التخطيط، وتشوبه تصدعات وغرف غير معزولة عن البرد والضجيج».
ومن المشكلات التي تعترض طريق الحل، الفصل بين المبادرين والمقاولين، إذ إن المبادرين هم الذين قطعوا معظم القسيمة الرابحة من ثمن الشقة (بالإضافة إلى الدولة والسلطات التي تجمع معاً أكثر من 50% من سعر الشقة). وبالنسبة إلى المقاولين التنفيذيين، فهم في غالبية الأحيان يفوزون بمناقصة المشروع ثم ينقلونه إلى مقاولين ثانويين أو هامشيين.
التقرير يأخذ شركة «دونا» الإسرائيلية الرائدة في هذا المجال ليعطي مثالاً على أشخاص تسلموا شققاً منها ليكتشفوا لاحقاً أنها تعاني تسرباً في المياه، فيما وجد آخرون شققهم بلا غاز، لأن الإسمنت سدّ أنابيب الغاز! وحين واجه أصحاب الشقق إدارة الشركة، ردت قائلةً إنها «مسؤولة عن تصليح الأعطاب التي ترد في قانون بيع الشقق الإسرائيلي».
يشرح روزنفلد: «هناك ميل إلى اتهام من يُعنى بالمتابعة والمراقبة، ولكن الحقيقة أن أحد أسباب تردي الجودة أن المهندسين يحصلون على أجور منخفضة، وإذا كان هؤلاء من مهندسين واستشاريين في السابق يتابعون الورشة عن كثب، فإنهم اليوم غائبون عنها».
ضمن هذا الإطار، أصدرت «منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي» (OECD)، أمس، تقريراً تناولت فيه الاقتصاد الإسرائيلي، ممتدحةً «النمو المرتقب للاقتصاد»، لكنها أشارت إلى «علامات مقلقة في قطاع السكن». واقترحت على تل أبيب اتخاذ خطوات من شأنها تخفيف ارتفاع أسعار العقارات. ودعت المنظمة الدولية إلى اتخاذ سلسلة من الخطوات لناحية المحفزات الاقتصادية، بهدف دفع سوق السكن إلى الاعتدال، إذ تشير معطيات التقرير إلى أن «الإجراءات الرسمية الإسرائيلية... إذا تواصلت، ستؤدي إلى انخفاض أسعار السكن»، علماً أن الأسعار ترتفع بمعدل 4% سنوياً.