يتردد كثيراً عن ضم هذا المدرب لهذا اللاعب أو ذاك، تماماً على غرار ما فعل الإسباني جوسيب غوارديولا أخيراً مع مانشستر سيتي الإنكليزي. لكن الواقع أنه ليس كل المدربين يتدخلون مثل "بيب" في عملية البيع والشراء، إذ إن هناك منصباً لديه الكلمة الأقوى في سوق الانتقالات عند طلب أي مدرب للاعبٍ ينوي تعزيز صفوفه من خلاله.المديرون الرياضيون أو المسؤولون عن التعاقدات، تختلف التسميات، لكن المهمة واحدة وهي تلبية رغبات المدربين، فهم السحرة القادرون على اخراج اي مارد موهوب من القمقم، وإقناع أيّ كان بضرورة الدفاع عن ألوان الأندية التي يعملون لها.

أمثلة كثيرة لمديرين رياضيين كانوا السبب في ارتفاع أسهم أنديتهم، التي تدرك مدى أهميتهم، لدرجة أنها باتت تعتمد على قدراتهم في الإقناع أكثر من اعتمادها على أقدام لاعبيها على أرضية الميدان. فالكل بات يعرف أهمية المدير الرياضي، الذي بات يتحمل جزءاً من المسؤولية في حال تراجع مستوى الفريق، وهو أمر كان بالإمكان لمسه عند رحيل المدير الرياضي ماتياس سامر عن بايرن ميونيخ بطل ألمانيا العام الماضي، إذ رغم ما ذكر أن الأمر تمّ بسبب مشاكل صحية، فإن الواقع أن بايرن أراد تغيير سامر لأنه لم يصل الى الأهداف التي وضعها الفريق في سوق الانتقالات.
أسماء كثيرة تبرز حالياً في منصب المدير الرياضي، وتعكس نتائج أنديتها مدى تأثيرها في عالم الكرة، أمثال مونشي، مهندس إنجازات إشبيلية الإسباني أوروبياً، الذي انتقل منه الى روما الإيطالي. وأمثال ميكايل تزورك ورالف رانغنيك في بوروسيا دورتموند ولايبزيغ الألمانيين توالياً، وجوسيبي ماروتا في يوفنتوس بطل إيطاليا، ومايكل إيمينالو في تشلسي بطل إنكلترا. وقبلهم، كان تشيكي بيغيريستاين في برشلونة الإسباني حيث بنى مع غوارديولا فريقاً هيمن على الكرة العالمية، وها هو انتقل معه الى السيتي لبناء إمبراطورية أخرى.

كان سانليهي وراء كل الصفقات الكبيرة التي عقدها برشلونة في الأعوام الأربعة الأخيرة


من هنا، فإن خبر تعاقد أرسنال الإنكليزي مع الإسباني راوول سانليهي لا يفترض أن يمرّ كأنه أي خبر عادي، فالرجل هو من كان وراء كل الصفقات الكبيرة التي عقدها برشلونة في الأعوام الأربعة الأخيرة، من البرازيلي نيمار والأوروغوياني لويس سواريز، مروراً بالكرواتي إيفان راكيتيتش والحارس الألماني مارك - أندريه تير شيتغن، وصولاً الى الفرنسي عثمان ديمبيلي والبرتغالي نيلسون سيميدو.
سانليهي الذي فكّ ارتباطه مع برشلونة بالتراضي، حيث طلب الذهاب الى تحدٍّ جديد وسط إعادة الهيكلة التي يجريها النادي في الكواليس، هو الرجل الذي يحتاج إليه أرسنال، وخصوصاً مع إمكانية اعتبار الأخير أحد أكثر الأندية الكبرى فوضوية في سوق الانتقالات أو في عملية البحث عن المواهب الجديدة، إذ الأكيد أن عالم الفوتبول سبق المدرب الفرنسي أرسين فينغر بسرعة تطوره في هذا المجال بعدما كان الأخير أهم مكتشف للكنوز في الملاعب الخضراء.
ولهذا السبب، تدارك النادي اللندني هذه المسألة، إذ قبل سانليهي كان قد تعاقد مع كبير كشافي بوروسيا دورتموند زفن ميسلينتات، حيث لا ضرورة هنا لذكر كمية اللاعبين المميزين الذين اكتشفهم النادي الألماني حول العالم في الأعوام الأخيرة، لتكون المعادلة بالتالي ميسلينتات يوصي وسانليهي يتمّم العملية.
ومن عند هذه النقطة، تُعرف أهمية المدير الرياضي المسؤول عن إبرام الصفقات، فهو الرجل الذي يعمل في الظل ويتمتع بشخصية إقناع رهيبة، إذ ليس عليه أن يحمل حقيبة مليئة بالمال للوصول الى مبتغاه، بل أحياناً يواجه ظروفاً استثنائية كتلك التي عرفها سانليهي مثلاً عند استقطابه نيمار، حيث اضطر إلى إقناع عائلته وعلى رأسها والده بتطمينات كثيرة لكي يبدّل النجم البرازيلي وجهته من مدريد الى برشلونة.
ومما لا شك فيه أن سانليهي يتمتع بالشخصية المثالية لشغل هذا المنصب والنجاح فيه أينما كان، فأي منصب من هذا النوع يحتاج الى تمتع صاحبه بشبكة علاقات واسعة وبكاريزما استثنائية تجعله يتعامل مع أي تحدٍّ يفرضه نادٍ منافس أو وكيل أعمال أو حتى لاعبٌ.
مع رحيل سانليهي عن «البرسا» كتبت صحيفة «سبورت» الكاتالونية أن برشلونة خسر بخروج الرجل الكثير، وسيدرك هذا الأمر لاحقاً، فهو الأفضل في هذا «البيزنس»، وعملياً لم يكن اسمه مشهوراً، لكن عمله كان ملموساً على أرض الملعب، تماماً كتأثير أهداف النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي.