عمان | تستعد الحكومة الأردنية لزيارة جديدة تجريها بعثة البنك الدولي خلال الشهر الجاري، وذلك بعد نحو شهرين على تبليغ رئيس الوزراء، هاني الملقي، جميع الوزارات والدوائر الحكومية بالبدء في إعداد مسوّدة الموازنة للعام المقبل، في محاولة متجددة منه «لاحتواء العجز المالي وتحقيق الاستدامة المالية خلال السنوات 2018 ــ 2020».
وتبرز في التوجهات الحكومية للموازنة المقبلة قضايا؛ أبرزها بدء العمل بالموازنات الرأسمالية للمحافظات، إذ ستكون موازنة 2018 الأولى بعد تفعيل قانون اللامركزية ومجالس المحافظات وإجراء الانتخابات وفقاً له، فيما يشدد النظام دوماً على «تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والهيكلي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي»، ومن ناحية أخرى استكمال المشاريع الممولة من المنح الخليجية التي تم توقيعها عام 2012 وبدأ صرفها عام 2013 لمدة خمس سنوات.
والمنحة الخليجية المقدرة بخمسة مليارات دولار أميركي ــ لم يدخل منها فلس واحد إلى خزينة الدولة للمساهمة في سد المديونية ــ شارفت على الانتهاء السنة الجارية، علماً بأن دول مجلس التعاون الخليجي تعهدت في اجتماع دورتها الـ 32 بصرفها من أجل إقامة مشاريع تنموية في الأردن (عبر السعودية والكويت والإمارات وقطر) بواقع 1.25 مليار دولار من كل بلد.
ووفق التقارير الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، تم تحويل ما يقارب 2.3 مليار منها حتى نهاية 2016 لمصلحة مشاريع معينة، لكن مع غياب كامل لأي تحويلات من الدوحة.

لم تفِ قطر بالتزامها التعهد بحصتها من خمسة مليارات دولار خليجية للمملكة

بالنسبة إلى إعداد الموازنة العامة، فإن أرقامها ستستند إلى عدة توقعات حكومية أوردها التبليغ الصادر من رئاسة الوزراء بهذا الشأن. ومن أبرز التوقعات: «تواضع» النمو الاقتصادي في ضوء الأوضاع الإقليمية المتوترة وانعكاسها على الاقتصاد الأردني، وهذا ما يتطابق مع تقارير «النقد الدولي» الأخيرة التي أوردت أرقاماً خجولة للنمو، مقابل ارتفاع في معدلات التضخم القابلة للزيادة، كما أظهرت نسباً تعكس ارتفاع معدل البطالة مقارنة مع السنوات الماضية.
أما عن فرضيات الإنفاق التي ستبنى عليها موازنة 2018، فهي متعلقة بعدة إجراءات مالية تتمثل في الاستمرار برصد المخصصات المالية لعدد من المشاريع الحيوية؛ منها «ناقل البحرين» الذي جمّدته الحكومة الإسرائيلية إلى حين رضوخ المملكة للأمر الواقع وإعادة فتح السفارة الإسرائيلية (دون تنفيذ الشروط الأردنية المتعلقة بمحاكمة قاتل الأردنيين في حادثة السفارة في تموز المنصرم ورفض عودة السفيرة الإسرائيلية عينات شلاين إلى عمّان). وترافق هذا التجميد مع ضغوط خليجية على النظام الأردني، وسط تصريحات مسؤولين أردنيين «مجهولين» عن «قلق إزاء التجاهل السعودي للأردن»، كما تنقل الصحافة المحلية عن مصادر رسمية.
من ناحية أخرى، تتمحور فرضيات الإنفاق حول التخفيض التدريجي للإعفاءات من ضريبة المبيعات على السلع والخدمات المحلية والمستوردة والإعفاءات من الرسوم الجمركية، ولعل هذا البند أكثر ما يقلق الشارع الأردني، وخصوصاً مع نية الحكومة المعلنة لرفع الدعم عن الخبز من أجل تسديد فوائد ديون متراكمة.
أما عن رؤية الحكومة للمنح الخارجية، فإنها تفترض حصولها على كامل هذه المنح، وخصوصاً تلك المتعلقة بمساعدة اللاجئين السوريين. يشار إلى أنه في أيلول الماضي، صرّح الملك عبدالله الثاني أمام عدد من كبار ضباط القوات المسلحة بأن «اللجوء السوري يكلف الأردن ربع موازنتها، وأن دول العالم مقصّرة بهذا الخصوص، وخصوصاً أن الدول المانحة بدأت تتململ وتتنصل من التزاماتها للدول المستضيفة»، وهذا ما أكده مرة أخرى في تشرين الأول الماضي أثناء لقائه رئيس مجلس النواب ورؤساء كتل نيابية.
مع ذلك، لم تأتِ التقارير على ذكر المشاريع التي انشغل بها الشارع، وعلى رأسها المدينة الجديدة التي كشفت عنها الحكومة أخيراً، بل شاب هذا الملف التكتم حتى إن المتحدث باسم الحكومة قال إن من يعرف بالموضوع خمسة أشخاص فقط، لكن رئيس الوزراء عاد وقال إن موضوع الخمسة «مجرد مزحة»!
وفي ملف آخر، يتحدث القطاع العام والخاص في الأردن عن نصيب للمملكة في مشاريع الإعمار المقبلة في سوريا، وذلك بالتزامن مع اتفاق الحكومة الأردنية مع شركة «سوفت بورت» الأميركية على إنشاء مطار لوجستي في مدينة المفرق، شمال شرق المملكة، القريبة من سوريا والعراق. ولم تكشف الحكومة عن تفاصيل هذا الاتفاق. أما الموقع الإلكتروني لـ«سوفت بورت»، فيبين أن مستشاري الشركة والشركاء هم ضباط كبار متقاعدون من الجيش الأميركي والقوات البحرية كانوا قد خدموا في مواقع متصلة بـ«حلف شمالي الأطلسي» ووزارة الدفاع الأميركية.
ورغم مشاركة الأردن في الأحلاف العربية والدولية كافة، فإن أثر هذه المشاركة لم ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المتردي، فيما لا يمكن تجاوز «رسالة النوايا» الحكومية للبنك الدولي التي أرسلت خلال فض مجلس النواب دورته الاستثنائية، وكان محتواها تطمينات أردنية بتوفير ملايين الدنانير للإيفاء بشروط البنك من أجل الحصول على قروض أخرى. ويرى متابعون اقتصاديون أن هذا الإدمان على الاقتراض لن يوقفه بالضرورة مجلس نواب تغيب عنه المعارضة والأحزاب، بل سيصوت كالعادة على مشروع الموازنة المقبلة كيفما جاء.