بقي الجنس والإنجاب متلاصقين في الوصف والوظيفة لآلاف السنين وحتى لعهد قريب، ولَم يتم فصلهما إلا في أبحاث ومسارات أيامنا هذه. لم يحصل جهد علمي كافٍ لفهم رغبة المرأة الجنسية طالما تقوم بيولوجيا الجنس بواجب الحمل والإنجاب. صُودف أن أشارت بعض الدراسات الى تداخل الرغبة الجنسية برغبة الإنجاب عند النساء، فكان ازدياد رغبتها الجنسية خلال فترة الإباضة للاستفادة من فرص التلقيح والإنجاب عبر تسريع الحيوانات المنوية السابحة مع التيار نحو البويضة المنتظرة فرج التلقيح.
كان ذلك التصور عن الرغبة الجنسية للمرأة سطحياً وتبسيطياً. وكان نتيجة التستر والتجاهل والنكران، ومحاولة  لقمع الرغبة عند المرأة، أحياناً ممجوجة، وأحياناً أخرى همجية كختان الإناث "رأفةً بالرجال من إثارتهنّ المفتنة". تراكمت الدراسات الحديثة والكتب حول أصل ومسار الرغبة الجنسية عند المرأة، متأرجحة بين "الرغبة الجامحة الفالتة" واتهام المرأة بالجنون و"الفاترة المعدومة" وقولبة المرأة بالمرض، ولَم تستقر على تعريفٍ أو فهمٍ واحد.
ارتبط مفهوم الرغبة بالإثارة عند بعض الباحثات، بمعنى أنه عندما تُثار المرأة تتولد عندها الرغبة، وبالتالي لا يمكن للرغبة أن توجد دون الإثارة، ليبقى السؤال اللغز هل تكون الرغبة هي الإدراك الواعي لجهوزية جسم المرأة للعمل الجنسي؟ يزيد ذلك اللغز تعقيداً العوامل المجتمعية والثقافية التي لا زالت تزواج بين الرغبة والخصوبة والإنجاب.
فتح الباحث كرافت - ايبينغ في القرن الماضي نافذة أتاحت بداية فهم للرغبة الجنسية وتأثُرها بالخبرات الحياتية المبكرة، والتربية الأسرية والجنسية، ودور المرأة وحضورها في العلاقة الإنجابية والجنسية، وأهمية الحياة الجنسية في حياة الأفراد. تقدمت الباحثة النسوية بيڤرلي ويبيل أميالاً لتؤكد أن الرغبة الجنسية لا تُختصر بتجربة واحدة أو معادلة فريدة، بل تجمع مروحة من التعبيرات المتنوعة والمختلفة في كل مرة، وتُضيف "كل امرأة تريد شيئاً مختلفاً" (مقارنة بالرجال مثلاً).
شكلت الرغبة الجنسية عند المرأة أحد أهم أركان ثالوث الاستجابة الجنسية (مع الإثارة والنشوة)، وأكثرها تشويقاً وتنوعاً وانعكاساً لاكتفاء المرأة وسلامتها، وكذلك أكثرها تعرضاً للاضطراب. تدني الرغبة الجنسية هو نسبياً الأكثر انتشار بين كل الاضطرابات الجنسية. حاولت بعض الباحثات تقييم الرغبة الجنسية عن طريق قياس كمية السوائل المهبلية كاستجابة للإثارة. غالباً يكون السائل مؤشراً  لمستوى قوة الرغبة المتأتية من تفاعلات الدماغ والمشاعر  والمحيط.
للتمييز الجندري حصة وازنة في لغز رغبة المرأة، فمنه درجت العادة على التفرقة الجنسية حيث الجنس للرجال والإنجاب للنساء ولا داعي لأكثر من ذلك. تتغير الرغبة أيضاً حسب الظروف العاطفية والنفسية المختلفة، وسلوك الشريك، والعمر، والدورة الشهرية، والاعتلال، والأمراض المزمنة، وتناول الأدوية. تغييرات متوقعة في مستوى الرغبة لا تجعل منها مرضاً إلا بما تشتكي منه. كذلك تتأثر بعامل هام يرتبط بشعور المرأة أنها مرغوبة ومشتهاة، ما اسماه البعض "نرسيسية" المرأة وطمعها بتلك الطاقة الهائلة المتوقدة من رغبة الآخرين بها والتي تُشعل رغبتها دون عقبات.
هنا يُطرح السؤال الصعب عن إدراك المرأة لرغبة الآخر تجاهها كمُحرك لرغبتها؟ يأتي ذلك من سياق أسئلة متعددة حول "زوجي عّم يزهق مني"، "العلاقة الشخصية ما عادت مثل قبل"، "ما عّم يعاملني بطريقة عاطفية وحساسة". يشتبك الشخصي بالعلاقاتي بالنفسي بالصحي ليتلاعب برغبة المرأة وليسبب لها توتراً وتعصيباً يصيب منها توازن حياتها اليومية والشخصية مولّداً أسىً واكتئاباً.
لم تترك الأبحاث المرأة وحيدة هنا. أبحاث العلوم العصبية الحديثة تؤكد تشكل الرغبة وتفاعلاتها الهرمونية والتواصلية (كخاصة الرجل وأكثر). بعدها قامت منظمة الغذاء والأدوية الأميركية بالموافقة على علاجٍ دوائي لتدني الرغبة الجنسية عند النساء لأسباب محددة وواضحة، دواء ذو فاعلية واضحة شرطت استعماله بالدواعي الصحيحة. وتكشف الدراسات عن تركيبات دوائية جديدة وفعَّالة ستغير مسار مفهوم ودراسة الرغبة الجنسية للمرأة ووضعها في فضاء العلم العام والمعرفة المتاحة خارج العيب والنكران.
في الفيلم الشهير لإليا كازان "عربة تُدعى الرغبة" تجيب الراحلة ڤيڤيان لاي سائلها "أخبروني أن أستقل عربة تدعى الرغبة وبعدها أستقل أُخرى تدعى المقبرة وبعدها أنزل في الإليزيوم (سكن الأرواح الجامحة)". الفيلم عن قصة تينيسي ويليامز وكيف يُشكل المجتمع الرغبة الجنسية للمرأة ويخفيها وينعتها، وكيف يَحدّ من كيان المرأة واستقلاليتها.
التسلط على رغبة المرأة الجنسية هو بالتواتر تسلطاًعلى المرأة خوفاً من جنسانيتها كمحدد لحضورها وتمكينها وحريتها. ذلك الزمن في طريقه إلى الأفول.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية