دمشق | في غضون ساعات، انتشرت الأخبار عن طعنتين متتاليتين بحق المثقفين السوريين، ممّن رفعوا الصوت ضد الفساد والرداءة. المفزع أنّ الفاعل، بحسب «الضحايا» والمؤشّرات، ليس سوى وزارة الثقافة السوريّة، التي يفترض أن تكون البيت والملجأ والملاذ لهم في حالات مماثلة.
الكاتبة والمخرجة ديانا فارس فجّرت قنبلة احتجاج شديد اللهجة عبر الفايسبوك، على شكل تظلّم موجّه إلى رئيس الجمهوريّة شخصيّاً. تحدّثت عن «انتقام وزير الثقافة محمد الأحمد وسكرتيرته دينا باكير من تحرّيها حول ملفّات فساد»، أيّام تولّيها (فارس) الرقابة الداخليّة في «المؤسسة العامة للسينما»، حين كان الأحمد مديراً، وباكير مديرة مكتبه. بيّنت أنّ «الثأر» تمّ من خلال نقلها بشكل دائم إلى «مكتبة الأسد العموميّة» للعمل خارج اختصاصها، وقيام باكير بإجراء اتصالات متكرّرة بمديري المكتبة السابق والحالي، للتحريض على إهانتها، و«جرد مستودعات المكتبة المليئة بأكوام من الكتب مضى عليها سنوات، وضمن أكوام من المنشورات والكتب لا أفقه في مجال أرشفتها شيئاً، كوني كاتبة، ومخرجة، وحائزة جوائز عن مجمل أعمالي السينمائية، ومؤسسة لسينما الأطفال في سوريا، وعضوةً محكّمةً في مهرجانات عربية ودولية... وبسبب عملي في التفتيش، تسببت بعدائي مع السيد الوزير، حين كان مديراً عامّاً للمؤسسة العامة للسينما، وسكرتيرته المحالة لمحاكمات عدة، وتمّ الحجز على أموالها في ذلك العهد». كاتبة فيلم «عرائس السكّر» (2017 ـــ إخراج سهير سرميني، إنتاج المؤسسة العامة للسينما) نبّهت إلى «تصفيتنا المهنية والثقافية أنا وزملائي، الذين لست مخوّلةً بالحديث عن مشاكلهم مع السيد وزير الثقافة والسيدة باكير».
وبعد ساعات، صدر قرار بإنهاء مهام الصحافي بديع صنيج كأمين تحرير الشؤون الثقافية في صحيفة «تشرين» الرسميّة، من دون إبداء الأسباب. الكواليس تتفق مع إجماع الوسط الثقافي على أنّ ذلك جاء «عقاباً» لصنيج على زاويته «خرج سينمائي ناشف»، التي نشرت بتاريخ 22 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في الجريدة نفسها، إذ تكلّم عن «فساد المؤسسة العامّة للسينما وتجاوزاتها». هكذا، لم تتأخّر تصفية الحساب، لجعل الرجل عبرةً لأيّ إعلامي يفكّر في «التطاول» مجدّداً. سبق ذلك تهديده من قبل المؤسسة بتحريك دعوى قضائيّة ضدّه. عموماً، كثرت المقالات والتسريبات ومنشورات السوشال ميديا أخيراً حول الواقع المزري لمؤسسة السينما، وكوارثها المتراكمة عبر الأعوام.

كثرت المقالات والتسريبات حول الواقع المزري الذي تعيشه مؤسسة السينما

الفنّان جمال قبّش علّق على الفايسبوك: «كنتُ أعتقد أنّ الملف الذي أثاره السيّد صنيج عبر الصحافة الوطنية، سيكون له صدى إيجابي، لكنّ المؤسسة العامة للسينما وبردّها بتحويل صاحب الملف إلى القضاء، أثار عند كثيرين منّا الاشمئزاز والحسرة. كنتُ أعتقد أنّ إدارة جريدة «تشرين» ستقف وقفة رجل شجاع مع أحد رجالها المبدعين. لكن للأسف، صدرت الأوامر بإعفائه من منصبه». العميد السابق للمعهد العالي للفنون المسرحيّة أردف حانقاً: «قولوها صراحةً: هل تريدون منّا، بعد كل ما أصاب البلد وأصابنا، أن نحمل حقائبنا ونرحل؟». جمال عوّاد كتب بدوره: «خلال أقل من شهر من نشر مقال ناقد يتناول طريقة عمل وإدارة المؤسسة العامة للسينما، التي كان «يملكها» السيّد وزير الثقافة الحالي، أثمر «التعاون» و«التنسيق» و«التكامل» بين وزارتي الثقافة والإعلام، في تحقيق «الهدف الوطني العظيم»: إقصاء الرجل المناسب عن المكان المناسب، وهو نهج استقرّ وازدهر خلال عقود في الإرث الإداري السوري، وقد منح أعداء سوريا ثغرة «بتفوّت فيل» في جدار مناعتها»، مضيفاً: «يبدو أنّ اللون الأسود لراية «داعش» و«النصرة»، قد فعل فعله العميق واللا شعوري، في نفوس الكثير من السوريين، وبات طيف الألوان أمراً غير مرغوب فيه».
إذا كان الحال كذلك، فنحن أمام معطيات واستنتاجات مظلمة وقاتمة، حادّة ومربكة، محزنة وكارثيّة. صنيج وفارس دليلان جديدان على «يتم» المثقف/ الإعلامي السوري الجاد. هذا الـ «دون كيخوته» الوحيد، المتروك على قارعة الطريق فريسةً للضباع والعواصف الغادرة. لا قانون يمنحه الطمأنينة والأمان. لا مؤسسات تحميه من طعنات الظهر والانتهاك (هل قامت «تشرين» بالدفاع عن رجلها؟). لا أحد ولا شيء يمكن أن يفلت من التدجين والتعليب والأدلجة والترهيب. أهلاً وسهلاً فقط بالمستعد للتصفيق والتطبيل، مع ابتسامة بلهاء على الوجه. كارثة مريعة أن يكون ادّعاء ديانا فارس صحيحاً أيضاً. هذا يعني أنّ وزير الثقافة يتصرّف وفق نزعة انتقاميّة، بدلاً من احتضان الجميع، والترفّع عن أيّ خصومات سابقة، بل السعي إلى حلّها بمبادرات حقيقيّة. كثير من السينمائيين السوريّين تحدّثوا عن قيامه بإقصائهم ومحاربتهم، عبر سنوات إدارته «المؤسسة العامّة للسينما». محمد ملص ونبيل المالح وعمر أميرلاي وسمير ذكرى ونضال حسن والفوز طنجور... كلّهم قطعوا طريق فارس نفسه بشكل أو بآخر، وفق بياناتهم وتصريحاتهم.
نعم، إنّه واقع يبعث على اليأس. السؤال المخيف يحوم كغراب فوق أكوام من الجثث: من الضحيّة التاليّة؟




وزارة الثقافة ترد

رداً على الاتهامات التي طالتها، أصدر المكتب الصحافي لوزارة الثقافة السورية بياناً جاء فيه: «في ردٍ على اتهام وزارة الثقافة بأنها كانت وراء إعفاء الصحافي بديع صنيج من أمانة تحرير الشؤون الثقافية في جريدة «تشرين، علق السيد وزير الثقافة قائلاً: «قرأت خبر إقالته في وسائل الاتصال الاجتماعي كما قرأه أي مواطن سوري آخر. لقد رفعنا دعوى قضائية بحقه، وسنقاضي مستقبلاً كل من تسول له نفسه سوق اتهامات كاذبة بحق الوزارة ومؤسساتها». توقعنا منذ شهور للسيد صنيج هذا المصير المؤسف بسبب قصور أفقه وقلة خبرته وغياب موضوعيته في معظم ما يكتب، واتهاماته المتكررة غير المقترنة بوثائق لشخصيات اشتهرت في عالم الثقافة قبل أن يرى النور. أما فيما يخص الشكوى التي نشرتها الآنسة ديانا فارس على صفحتها، فإننا نشير إلى إلى أن رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش قد أقالها من مهامها كمديرة للرقابة الداخلية في «المؤسسة العامة للسينما» بعدما ثبت له فسادها وتلاعبها بتقرير تفتيشي كلفها بإنجازه. وعلى إثره، أعلن جميع زملائها في «المؤسسة العامة للسينما» مقاطعتها وعدم قدرتهم على التعاون معها في كتاب رسمي وجهوه للسيد وزير الثقافة يوم كان مديراً عاماً لـ «المؤسسة العامة للسينما». لاحقاً تم نقل الآنسة ديانا فارس إلى وزارة الثقافة، وسرعان ما بدأت بتسميم الأجواء في مكان عملها الجديد، وتعالت الأصوات من كل نحو وصوب رافضة التعايش معها، مما اضطر الوزير لنقلها إلى مكتبة الأسد كونها كانت تنشد التهرب من الدوام وقبض راتبها بغير وجه حق، الأمر الذي لم يرق لمزاجها، فانضمت للجوقة التي تهاجم الوزارة وتسعى للنيل من مكانتها».