في مقابل الهستيريا السعودية، بقيادة حليف الولايات المتحدة وإسرائيل، محمد بن سلمان، التي تبغي الانتقام من إيران في لبنان، ودفع البلد نحو الانهيار على الصعد كافة، برز في الداخل اللبناني من يتهيب المرحلة الحساسة، فقرّر تقديم خيار التهدئة والاستيعاب على أي تصرّف آخر.
الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، هو أحد الذين يلعبون دوراً أساسياً في تهدئة الأمور، خلافاً لإرادة حاكم الرياض. في كلمته المُتلفزة، أمس، لمناسبة يوم شهيد حزب الله وذكرى أربعين الإمام الحسين، أعاد نصرالله شرح كيف «فجأةً وبضربةٍ واحدة تم استدعاء رئيس الحكومة سعد الحريري على عجل، وطلبته السعودية من دون معاونيه ومستشاريه. ذهب وأُجبر على تقديم الاستقالة وتلاوة البيان الذي كتبوه هم. تمّ وضع لبنان أمام مرحلة جديدة، وبعدها بدأت مجموعة من التصريحات والتهويلات والتهديدات السعودية، وصولاً إلى ما نشهده اليوم». هذه المرحلة الجديدة، تكون خطيرة أو لا «بفعل وإرادة اللبنانيين». قبل أن يجنّ جنون السعودية، دخل لبنان خلال سنة، «حالة استقرار سياسي. انتُخب رئيس للجمهورية، جرت تسوية رئاسة الوزراء، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بدأت العمل بشكل فعّال وجادّ، تم تفعيل عمل النواب، ووضع قانون جديد للانتخابات النيابية المقبلة، وأُقرّت موازنة لأول مرة منذ 12 سنة، وتمّت التعيينات الإدارية والقضائية والدبلوماسية، جرى تفعيل عمل اللجان. بعد سنوات من التصعيد، عاد الحوار والتلاقي بين القوى السياسية. هناك أمن واستقرار لا مثيل لهما، لا في المنطقة ولا في العالم. وتُوّج الأمر بتحرير الجرود اللبنانية عند الحدود الشرقية». وأكمل نصرالله بأنّ الشعب اللبناني، بشكلٍ عام، يعيش «حالة من الهدوء النفسي».

الحكومة
قائمة ولا معنى لاستشارات نيابية

لا يعني ذلك أنّ الأمور بألف خير، فهناك «مشاكل سياسية وإنمائية ومعيشية، وفساد، كلّها يجب أن تُعالج ولا يجب أن تُغطّي على الصورة الإيجابية للبلد التي يعود الفضل فيها إلى التعاون والتلاقي والتنازلات التي قدّمتها كلّ القوى السياسية». ثم أتت السعودية، لتُقدم على «تدخل علني وغير مسبوق، لا منها ولا من غيرها. وبعد ذلك، تُفرض الإقامة الجبرية على الحريري ويُمنع من العودة. بات هذا أمراً قطعياً يقينياً. الرجل مُحتجز في السعودية وممنوع من العودة إلى لبنان. رئيس حكومة لبنان مُحتجز في السعودية»، كرّر الأمين العام أكثر من مرّة، في وقت تُحاول فيه أطراف عدّة «التشكيك» بالواقع. بعدها، تُحاول السعودية «فرض زعامة جديدة من دون علم أو استشارة تيار المستقبل، وإجباره على السير خلف زعامة جديدة». وفي السياق نفسه، «محاولة فرض رئيس حكومة، ضمن تصورهم (السعوديين)، جديد على الشعب ورئيس الجمهورية والمجلس النيابي». فضلاً عن قيام السعودية بـ«تحريض اللبنانيين على بعضهم بعضاً. تريد منهم أن يشتموا بعضهم بعضاً، ويهينوا بعضهم بعضاً، وأن يحارب بعضهم بعضاً. وحين لا تجد استجابة، تتهمهم بالضعف والجبن». وقال نصرالله إنّ المملكة تُحرّض الدول العربية، والخليجية تحديداً، «على اتخاذ إجراءات تصعيدية بحق لبنان، وسحب الرعايا منه، وتحريض دول العالم على لبنان». وكشف نصرالله، ضاحكاً لأنّ ذلك «لا يُخيفنا»، أنّ السعودية «طلبت من إسرائيل ضرب لبنان، وهي (المملكة) حاضرة أن تُقدّم عشرات ومليارات الدولارات لذلك». يدور اليوم «نقاش داخل الكيان الإسرائيلي حول الموضوع. وهناك كلام كثير في الإعلام الإسرائيلي عن أنّ حرب تموز كانت بطلب وتحريض سعودي. وعندما أراد العدو أن يوقف الحرب، كانت اتصالات سعودية تطالبه بمواصلتها، حتى القضاء على المقاومة».
بعدما أعلنت السعودية حربها على لبنان وحزب الله، توجه نصرالله إلى اللبنانيين بضرورة إدراك «أهمية وقيمة ما نحن فيه، ونتمسك بالاستقرار ونحرص عليه». العنوان الذي ترفعه السعودية هو «الحرب على حزب الله، ولكنها تدعوكم إلى تخريب بيوتكم بأيديكم. هل حقيقةً تريد السعودية، من خلال كل الإجراءات، إنقاذ لبنان ومصلحته؟ هل الإجراءات واللغة والتهديدات والحرب هي على حزب الله أم لبنان؟ يجب أخذ العبرة من كل ما جرى في المنطقة. في سوريا، كان أمراء سعوديون، يُديرون المعارك من عمان، فخربوها ودمروها.اللبنانيون أمام مرحلة مصيرية».
انطلاقاً من كلّ ما تقدّم، أكدّ نصرالله على:
أولاً، ندين التدخل السعودي السافر في الشأن الداخلي اللبناني. وندين التصرف المهين مع الحريري. ونعتبر في حزب الله أنّ إهانة رئيس الحكومة إهانة لكل لبناني، حتى لو كنا نختلف في السياسة.
ثانياً، نضم صوتنا الى كل اللبنانيين، وما صدر عن الاجتماع المشترك لتيار المستقبل والكتلة النيابية، بوجوب عودة الحريري إلى لبنان. فليأت ويُعبّر عن موقفه، ويُبنى على الشيء مقتضاه. أما أن يبقى قيد الإقامة الجبرية، فلا يجوز أن يسكت عنه لبناني أو عربي أو إنسان حر. ويجب أن يعمل اللبنانيون على استعادته، بعدها هو حرّ أن يفعل ما يشاء.
ثالثاً، نعتبر الاستقالة غير قانونية وغير دستورية وغير شرعية، ولا قيمة لها، لأنها أتت بالإكراه والإجبار. وعليه، الحكومة قائمة ودستورية وليست في حالة تصريف أعمال. لا معنى لاستشارات نيابية، كما طالب البعض من المستعجلين، ومن الأدوات المتآمرة.
رابعاً، الإدارة الحكيمة والهادئة والمسؤولة للرئيس ميشال عون، بالتضامن والتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومختلف القوى، يجب أن تكون محلّ إجماعٍ وتحصين لجميع اللبنانيين الذين يجب أن يتضامنوا ويقفوا خلف الإدارة الحكيمة للأزمة، التي استطاعت أن تُفوّت بعض الأهداف المباشرة لفرض الاستقالة.
خامساً، الدعوة إلى المزيد من الوعي، والابتعاد عن الشارع، والحرص على الأمن، والتشاور يجب أن يتواصل. أمام الإهانة والإكراه والتهديدات الواضحة، يجب أن نشعر بمسؤوليتنا وانتمائنا إلى البلد ونقف إلى جانب بعضنا بعضاً.
سادساً، أكملت قناة العربية القيام بمقابلات عن اكتشاف محاولة لاغتيال الحريري، رغم أنّ الأجهزة الأمنية نفت. هذا الخبر سعودي، لأن بيان الاستقالة المكتوب سعودي، وغير صحيح حين قال الحريري إنّه يشعر بالخطر على حياته. ثم الحديث عن أجهزة تشويش إيرانية على طريق المطار. وفي لبنان، إحدى أدوات السعودية تحدثت عن اغتيالات سياسية وهي مُصرّة. لماذا الإصرار على الفرضيات؟ إلامَ يُمهّد هؤلاء؟ أنا أقول هذا خطير.
سابعاً، نستبعد، بحسب الحسابات والقراءات التي نتابعها، حصول حرب إسرائيلية حتى لو طلبتها السعودية. مما يزيد الاستبعاد، أنّ إسرائيل أمام فرصة لتصفية الحساب مع حزب الله ولبنان دون حرب تتحمل تبعاتها وكلفتها، التي تعرف أنها عالية جداً. قد تلجأ إلى عناوين أخرى، مثلاً هي اليوم تطلب من السفارات الإسرائيلية في العالم تقديم الدعم للسعودية في حربها على حزب الله وتصنيفه منظمة إرهابية، أو البحث عن الفتنة، إذا تمكنت من ذلك. نُراقب الأمور بدّقة، مع الجيش والدولة اللبنانية. ونؤكد في يوم الشهيد والاستشهادي أحمد قصير، الذي هزّ قلاعهم عام 1982، نحن أشدّ عوداً وأقوى وقوداً، وأُحذّرهم من أي خطأ في الحسابات وأي خطوة ناقصة. لا يظنن أننا مُربكون وضعيفون، نحن اليوم أشدّ يقيناّ وإحساساّ بالقوة مقابل أي تهديد.
ثامناً، هناك مشكلة وغضب سعودي كبير جداً تجاه حزب الله. الغضب الحقيقي على إيران. أنا أتفهم غضبهم، ولكن لا نستطيع تفهم ردّة فعلهم وأسلوبهم المهين، ولا نقبل. ننظر حولنا: في سوريا كانت لهم آمال، ذهبت أدراج الرياح. في العراق فشلوا. أُحبط مشروع انفصال كردستان. تجاوزت حرب اليمن الـ 1000 يوم من دون إنجاز. في الأزمة الخليجية، فشلوا في إخضاع قطر. أوصلوا الدولة في البحرين إلى حافة الإفلاس. فأتت السعودية «تفشّ خلقها» في لبنان، لأنها لا تقدر على إيران. السعودية لديها نفوذ في لبنان، وكذلك إيران، ولكن هناك فرق جوهري. السعودية تتدخل في الشأن الداخلي، بينما إيران لا تتدخل.
وختم نصرالله بالقول إنّه إذا كان كلّ ما يحصل بهدف معاقبة حزب الله والانتقام منه، فـ«مهما فعلت السعودية، لن تستطيع القضاء على حزب الله ومعاقبة حزب الله حتى يُبدل سلوكه». وسأل، رداً على حجّة السعودية بأنها تريد إنقاذ الشعب اللبناني، «هل تنقذونه بحجز رئيس وزرائه وطائفته وتياره السياسي؟ العقاب للبنان لأنّه حرّ ومستقل، ولم يلتزم»، ناصحاً السعوديين«بإمكانكم معاقبة حزب الله من دون الشعب والدولة. أما إذا كانت المعركة على أساس أنا أعمى ما بشوف، أنا ضرّاب السيوف، فهذا لن يصل إلى نتيجة».
(الأخبار)