قبل نهاية حلقة «كلام الناس» على lbci أول من أمس، قال الإعلامي مرسيل غانم إنه «لا يهدف إلى فتح سجالات مع الزملاء الضيوف الإعلاميين، وإن ما أدلى به بعض هؤلاء يأتي في إطار حرية الرأي». قال ذلك ردّاً على حملة انتقادات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي طالت الحلقة التي أثارت جدلاً كبيراً بسبب «الهجوم» الذي شنَّه الضيفان السعوديان عضوان الأحمري وابراهيم آل مرعي على «لبنان الرسمي والشعبي».
في الحلقة، قاطع غانم الضيف الإيراني حسن زاده بكلمة «بدنا نرُوق» ردّاً على وصف الأخير للسعودية بـ«المملكة المتخلّفة». وثانياً حين قال لنائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي، إنه لا يريد تحويل الحلقة إلى سجال سعودي - لبناني. وثالثاً، وهذا هو الأهم، عندما صمت على قول السعودي إبراهيم آل مرعي من الرياض «إن رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ووزير الخارجية واللبنانيين شركاء في إرهاب حزب الله»! ما كان من مرسيل إلا الاكتفاء بكلمة «أُف»، مُرفِقاً إياها بعبارة «هذا تهديد؟»! بلغ الأمر بآل مرعي أن يقول إنه «لم يلحظ حُبّاً كافياً للسعودية من جانب اللبنانيين» في مواجهة ما يسمّيه «عدوان» حزب الله على «المملكة».
لم يكن ينقص الحلقة الا ان يقول احدهم للضيفَيْن السعوديَّيْن أن «يغفرا لبعض اللبنانيين، فإنهم لا يدرون ما يفعلون». وقد تكفل النائب اللبناني عقاب صقر بالمهمّة «متوسّلاً» عبر البرنامج نفسه القيادة السعودية بمنح اللبنانيين بعض الوقت لتنظيم «طاولة حوار» حول دور حزب الله وسلاحه! ليس جديداً القول إنّ برامج الـ«توك شو» الواسعة الانتشار والتأثير تتحوّل، من حيث تدري أو لا تدري، إلى شريك رئيسي في إشاعة مناخات التوتر والقلق والتحريض على الاستقرار الداخلي من خلال «فتح الهواء» لضيوف من نوع «الزميليْن السعوديين» اللذيْن ظهرا في «كلام الناس». لكن مداخلاتهما التي لا يمكن وضعها إلا في سياق مسلسل التهديدات ضد لبنان، تطرح سؤالاً جدّياً حول ما إذا كان ذلك يدخل فعلياً في سياق «وهن عزيمة الأمة»؟
لم يكن مطلوباً من غانم أن «يطرد» ضيفه السعودي آل مرعي الذي تمادى في كيل الاتهامات في كلّ الاتجاهات أُسوةً بما فعله زميله وليد عبود الذي استشاط غضباً عندما «تعرّض» أحد ضيوفه الزميل حبيب فياض للوزير السعودي ثامر السبهان بما اعتبره عبود «كلاماً غير لائق». كان يمكن، أقله، الطلب من الضيف السعودي الالتزام بما لا يسيء إلى الدولة اللبنانية وشريحة كبيرة من اللبنانيين. كان يمكن أن يقول له أيضاً «بدنا نروق» أسوة بما قاله للضيف الإيراني حسن زاده، لكنه لم يفعل.
لا يمكن لأيّ مراقب موضوعي إلا أن يُقِرَّ بقدرات مرسيل غانم على إدارة الحوارات «الصعبة» مُحافظاً على موقع الصدراة في البرامج الحوارية السياسية المحليّة لأكثر من ربع قرن، لكنَّه يظهر متناقضا في بعض الحالات. مرّة تراه «مقاتلاً شرِساً» في حواراته مقدّماً أدلّة قاطعة في مواجهة بعض ضيوفه، ومرّة تراه «مشكّكاً» بآراء ضيوف آخرين لكن «بنعومة»، ومرة أخرى تراه مُسلماً بالكامل لـ«إرادة» بعض الشخصيات السياسية من «الصف الأول» خصوصاً.
الحلقة الأخيرة من «كلام الناس» كانت جرس إنذار جديداً للإعلام اللبناني الذي لم يتعلّم الدرس من «تجربة أحمد الأسير» وغيرها. كان بيان رئاسة الجمهورية في الليلة ذاتها في محلّه عندما طلب من رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ «الاتصال بالمؤسسات الإعلامية والإيعاز لها بإبعاد المشوشين والمشككين والمحرضين عن الشاشات لأن الأزمة الحالية أبعد من أن تكون استبدال حكومة بحكومة ولأنّ الضمانة الفعلية هي في الوحدة الوطنية وفي إعلام بنّاء يوحِّد اللبنانيين ويجمعهم». بعبارة أخرى، يقول الرئيس للإعلام اللبناني: «بدنا نروق». ولكن على مَن يقرأ الرئيس مزاميره؟ ولو أنّ «المجلس» يقوم بدوره المطلوب أصلاً، هل كان بحاجة لطلب استثنائي من رئيس الجمهورية؟
بلى يا مرسيل غانم: «كلام الناس بيقدّم وبيأخّر!».
* مقدم برنامج «الضوء الأخضر» على «صوت الشعب»