أريد لاستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية أن تُحدث زلزالاً سياسياً وشعبياً في لبنان، لكنّ الأطراف السياسية سرعان ما امتصت الموقف بحكمة واتزان، قاطعةً الطريق على أصوات الفتنة المنبعثة من الشاشات حيناً، ومن شخصيات سياسية استنهض الخطاب السعودي عصبها بعد موت سريري أحياناً أخرى...
خطة السعودية الفتنوية في لبنان فشلت، وآخر فصول تراجعها بيان كتلة «المستقبل» التهدوي الرافض للانجرار وراء جنون المملكة.
لكن الأخيرة لم تستسلم، بل استعانت بأذرعها الإعلامية والسياسية، على رأسها mtv التي تكرّس منصتها منذ الاستقالة للتحريض السعودي. من يتابع المحطة، يلحظ حتماً خطاباً تهويلياً، يناقض الإجماع اللبناني، ويعزلها عن الخطاب الوطني الجامع في لحظة حساسة تمرّ بها البلاد.
من الطبيعي أن يقرع الإعلام السعودي، خصوصاً «العربية»، طبول الحرب، لكن ما الذي يدفع جهات إعلامية لبنانية إلى تبنّيه؟ «الجمهورية» مثلاً، بدأت بطرح أسئلة، وربّما تقديم إجابات عن احتمال الحرب ضد «حزب الله»، على شاكلة: هل ستكون في الوقت الراهن أم تنتظر «انتهاء داعش»؟ وهناك مَن نقل عن جريدة «الحياة» اللندنية «رسائل خليجية إلى لبنان». تسرّب خطاب الحرب بقوّة إلى الداخل اللبناني، ووجد أرضية خصبة له.

في نشراتها الإخبارية، وعلى موقعها الإلكتروني، بدأت mtv تردّد ما تتناقله الصحف الخليجية المحرّضة على لبنان، وأعادت بثّ مواقف الشخصيات السعودية، مفردة لها مساحات كبيرة. رأينا كيف نقلت مضمون ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مقابلته مع CNBC الأميركية، حين فتح النار على الحزب ولبنان. كذلك حضر وزير شؤون الخليج ثامر السبهان وتغريداته، إضافة إلى خبر مغادرة الرعايا السعوديين لبنان، في إطار ما عدّته mtv أوّل من أمس «توسيع السعودية لبيكار عقوباتها»، مع «تبشيرها» لنا بأنّ باقي دول «مجلس التعاون الخليجي» ستحذو حذوها. صوت النشاز هذا بدا منعزلاً عن باقي المشهد الإعلامي اللبناني، ما عدا برنامج «كلام الناس» على lbci الذي شاهدنا فيه أوّل من أمس فصلاً جديداً من أداء الإعلامي مرسيل غانم الذي فتح الهواء لأصوات سعودية لشتم رؤساء بلده، من دون أن يتفوّه بكلمة، تماماً كما فعل السبت الماضي عندما استمع بخنوع إلى السبهان وإلى تهديداته العلنية للبنان. أداء صعّد موجة الشجب ضد البرنامج، في لحظة يرقص فيها لبنان على حافة الهاوية، ويحتاج لمجابهة خطاب الفتنة والخراب. هذان الصوتان ظلّا بعيدين عن صلابة باقي المواقف السياسية وحتى الإعلامية. وكان لافتاً هنا أداء قناة «المستقبل» الهادئ، مقارنة بالأيّام الماضية، إذ خرجت «القناة الزرقاء» بخطاب عقلاني يلتزم مضمون بيان كتلة «المستقبل»، ويعطي مساحة لافتة لأنشطة رئيس الجمهورية ميشال عون، ولحركة «قصر بعبدا»، سعياً وراء حشد إجماع وطني ومشاورة الأطياف اللبنانية.
إنّها المرّة الأولى منذ سنوات التي يشعر فيها اللبنانيون بوحدة داخلية بعدما اختلطت أوراق الولاءات السياسية وحتى الإعلامية. اعتبر الحريري سجيناً لدى النظام السعودي، بعد أخذ ورد حول مصيره. في هذا الإطار، لاقت مقدّمة مسائية «الميادين» تفاعلاً عالياً على مواقع التواصل. تحت عنوان «الحرية للحريري»، تلا كمال خلف خطاباً استنهاضياً ذكّرنا بأيام الخطابات الناصرية. اعتبرت المقدّمة أنّ سعد الحريري «محتجز وليس حراً، لا في الكلام ولا في التنقل ولا في القرار»، واصفاً رئيس الوزراء اللبناني بـ «الأسير»، وأنّ حريته باتت «بحجم وطن». وضعت قناة «الواقع كما هو» الحسابات السياسية جانباً، لتولي الأهمية للنقاش الوطني، وتجزم بأن لا «حرب في لبنان»، رغم قرع طبول الحرب والتهويل على المقاومة.
وبات لافتاً اهتمام «الجديد» المناهضة للحريرية السياسية، برئيس الوزراء المستقيل، فأعادت أمس بث شريط «قلب الوسط» (2016) الذي يضيء على سعد الحريري الإنسان.
إنّه مشهد إعلامي لبناني صلب، تخرقه بعض أصوات النشاز الفتنوية التي تتوسل الحرب على لبنان. حتى إنّ شريطاً مركباً انتشر على السوشال ميديا يتباهى بـ «تهكير» موقع «المنار» من قبل قراصنة سعوديين، ما يثبت وقوع هذه الفئات في عجز جديد وادعاء «بطولات وهمية».