بغداد | في وقت كانت تتناقل فيه الصحف والمواقع الاخبارية العراقية تصريحات لوزارة الخارجية الأميركية وصفت فيها نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، أبو مهدي المهندس، بـ«الإرهابي»، وصل عشرات الباحثين والصحافيين والشخصيات الدولية الأجنبية إلى بغداد تلبية لدعوة الحكومة العراقية و«الحشد الشعبي»، للمشاركة في «المؤتمر الأول للحوار العالمي حول الإرهاب».
الهدف المعلن للمؤتمر، وفق مدير إعلام «الحشد الشعبي» مهند العقابي، هو «التعريف بمسبّبات الإرهاب، ومصادر تمويله، والإنجازات العسكرية للحشد»، ولكنه في الواقع يتعدى ذلك، ليشكّل تحدياً واضحاً وصريحاً للصورة النمطية التي رسمها وفرضها الاعلام الغربي، وخلفه العربي، الذي يحصر، بل «يسخّف»، الحشد الشعبي وتضحيات عشرات الآلاف من العراقيين الذين انتفضوا للدفاع عن أهلهم وأرضهم ضد التنظيمات الارهابية، وعلى رأسها «داعش»، بعبارات فارغة وكليشيهات مبتذلة، مثل «ميليشيات شيعية» أو «ميليشيات إيرانية»... أو «داعش الشيعية».
وقبل التطرق إلى فعاليات المؤتمر وما تخلله من مشاركات وتصريحات ومداخلات، فإن فكرته في حدّ ذاتها، إلى جانب مكان انعقاده والشخصيات المدعوة، كفيلة بفهم الأسباب التي دفعت إلى انعقاده والأهداف التي يسعى للوصول إليها.
اختار «الحشد»، بمباركة الحكومة العراقية التي منحته الصفة القانونية الكاملة في مثل هذه الأيام من العام الماضي، أن يعقد «المؤتمر الأول للحوار العالمي حول الإرهاب» في فندق «الرشيد» في «المنطقة الخضراء»، ودعا إليه صحافيين وباحثين من خارج العالم العربي، باستثناء «الأخبار».
وللموقع رمزية كبيرة، إذ إن «الحشد» اختار الدفاع عن نفسه وتوضيح طبيعته وإبراز إنجازاته ضد «داعش» من داخل «المنطقة الخضراء»، وهي عبارة عن أحياء سكنية تقع في قلب العاصمة العراقية تمّ اقتطاعها وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة ومحصنة من قبل القوات الأميركية التي غزت العراق عام 2003. وحتى يومنا هذا، بعد 14 عاماً من الغزو، لا تزال الأسوار الأسمنتية العالية والأسلاك الشائكة تحيط بـ«المدينة المحظورة»، التي فيها مبنى البرلمان والوزارات والسفارة الأميركية، أو بالأحرى «القاعدة العسكرية الأميركية»، وغيرها من السفارات والمنظمات الدولية، كتلك التابعة لـ«الأمم المتحدة».

العامري: لمن
يتساءل عن مستقبل «الحشد» فهو لا يُحلّ وقطعاً لن يُحلّ


وفي حين لا تشبه «الخضراء» العراق، فلا تجد أيّ أثر لحضارته ونسيجه الاجتماعي الذي منه انبثق «الحشد الشعبي»، فإن الوجود الكبير للأخير في صميم «البقعة الأميركية في بغداد» هو رسالة لمن يشكّك في شرعيته و«عراقيته» ويدعو إلى حلّه.
كذلك فإن لفندق «الرشيد»، الذي بني في نهاية سبعينيات القرن العشرين ليؤوي الملوك والرؤساء والوفود العربية التي قدمت إلى بغداد، خصوصية ورمزية، فهو اكتسب شهرة عالمية خلال حرب الخليج الثانية عندما رُسمت صورة للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب على أرضية المدخل الرئيسي للفندق لتُداس بالأقدام، ليتعرض عقب ذلك لضربة صاروخية أميركية في عام 1993 تسبّبت في خسائر بشرية ومادية.
ومن الواضح أن الجهات المنظمة تعي أهمية «الصورة» وأسلوب العرض وطريقة التقديم في الحرب الاعلامية، وكذلك ضرورة الانفتاح والاستعانة بوسائل من خارج «العالم العربي»، التي من خلالها تستطيع الوصول إلى ما يُعرف بـ«الرأي العام العالمي» ومعالجة الآثار الناجمة عن «البروباغندا» التي باتت اليوم تحقق مكاسب قد تطغى في تأثيرها على تلك التي تحقق على الأرض.
فالتحدي الأكبر يكمن في إيجاد بيئة إعلامية غير خاضعة لإعلام سلطوي يلبّي رغبة السياسة الخارجية، تتحكم فيه الحكومة الأميركية وتستخدمه خدمة لمصالحها. ومن هذا المنطلق، وجّهت الدعوات إلى شخصيات بريطانية وأميركية وتركية وكندية وبرازيلية وإسبانية وأسترالية وغيرها، لديها وجود قوي في وسائل الاعلام التقليدية، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، قادرة من خلاله على نقل الصورة الصحيحة عمّا يتم وصفه بـ«الميليشيات الشيعية».
وهذا ما أكّده عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر صلاح التكمجي، في حديث إلى «الأخبار»، حيث قال إن المؤتمر الذي انعقد في 28 و29 تشرين الأول الماضي «يهدف إلى الاطلاع على تجربة الحشد الشعبي في محاربة الارهاب وعمليات التحرير من جهة، وإبراز دوره في الحملات الانسانية وإغاثة النازحين وإمدادهم بالمساعدات وتأمين الخدمات الطبية طيلة السنوات الماضية من جهة أخرى»، معرباً عن أمله في تقديم «رؤية واضحة عن طبيعة ودور الحشد كقوة شرعية ودستورية تمثّل جميع أطياف الشعب العراقي».
وتجلّى ذلك في الشخصيات التي توافدت إلى «الرشيد» لحضور المؤتمر، ومن ضمنهم أعضاء مجلس النواب عن المحافظات المحررة، وشيوخ من مختلف الطوائف، فضلاً عن أكاديميين وأساتذة دوليين وصحافيين عالميين، بينهم الصحافي الإيرلندي ومراسل صحيفة «إندبندنت» البريطانية في الشرق الأوسط باتريك كوكبرن، وعدد كبير من الاعلاميين والناشطين.
ومع اشتداد العاصفة الرملية التي ضربت بغداد نهاية الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، اشتدت داخل القاعة النقاشات حول المرحلة الماضية، الممتدة من بداية هجوم «داعش» على المدن العراقية في صيف 2014، إلى الجرائم التي ارتكبها التنظيم، ومنها «مجزرة سبايكر»، وصولاً إلى تشكيل «الحشد الشعبي» وبدء عمليات التحرير. كذلك تضمن المؤتمر عرض مقاطع مصورة عن الفكر التكفيري الذي يقع ضحيته الشباب في العراق، وأفلام وثائقية أظهرت الدور المحوري لـ«الإعلام الحربي» المرافق لمقاتلي «الحشد الشعبي» في جبهات القتال.
وشهد المؤتمر مشاركة عدد من قيادات «الحشد الشعبي»، أبرزهم الأمين العام لـ«منظمة بدر» هادي العامري، الذي ألقى كلمة قال فيها إن «استجابة الشباب العراقي لفتوى المرجعية لها الفضل الأكبر في القضاء على الارهاب في العراق»، مشيراً إلى أن «الحشد الشعبي شرعي ويعمل ضمن المنظومة الأمنية ووفق توجيهات القائد العام للقوات المسلحة».
وردّاً على من يتساءل عن مستقبل «الحشد» بعد «التحرير الكامل»، قال العامري إن «الحشد لا يُحلّ وقطعاً لن يُحلّ»، وهو ما شدّد عليه الناطق الرسمي باسم «الحشد» أحمد الأسدي، مضيفاً أن «الحشد جزء لا يتجزّأ من نسيج المجتمع العراقي، ويضم أبناء العراق من كل الأديان والمذاهب والطوائف والقوميات والمناطق».
وتأكيداً على ذلك، قال المتحدث باسم «كتائب بابليون»، وهي حركة وقوات كلدانية منضوية في «الحشد الشعبي»، دريد جميل: «كنا نشعر بالخوف من الاستهداف الطائفي والقومي في السابق، لكن الآن أصبحنا أقوياء بفضل جهود الحشد، وبتنا قادرين على حماية مناطقنا»، مؤكداً «نحن كمسيحيين جزء لا يتجزأ من العراق، ولدينا ضحايا بأعداد كبيرة لم تتم التغطية الإعلامية اللازمة لهم، ولدينا نساء مختطفات من قبل داعش لا نعرف مصيرهن حتى اللحظة».
وفي هذا السياق، أكّد قائد «كتائب ايزيد خان» المنضوية في «الحشد الشعبي» مراد كالو، إن «جهود الحشد الشعبي والقائد أبو مهدي المهندس كبيرة لإنقاذ الايزيديين»، مبيّناً أن «أعداداً كبيرة من الايزيديين تعرضوا للاستعباد والاتجار الجنسي، وتمّ تحريرهم من خلال دفع الفدية، في حين قتل بعضهم، على مرأى من العالم».
أما النائب عن محافظة نينوى حنين قدو، فقد استنكر «الهجمة الاعلامية الظالمة التي يتعرض لها الحشد الشعبي»، لافتاً إلى أن الأخير «ومعه أبناء المحافظات الجنوبية كان لهم الفضل الأكبر في استقبال وإغاثة النازحين خلال العمليات العسكرية». وقال قدو إنه في حين «وفّر الحشد متطلبات العيش الأساسية من مياه وغذاء، فضلاً عن الوقود والخدمات الطبية، لكل أهالي الموصل»، فإن بعض المنظمات الدولية «تعاملت بتمييز وعنصرية مع المدنيين، وفرّقت بين أهالي المناطق التي حرّرها الحشد غربي الموصل، وأولئك الموجودين في مركزها».
واختتم المؤتمر فعالياته بسلسلة من التوصيات، أهمها «التأكيد على أن الإرهاب أزمة دولية وليست عراقية... والاستفادة من زخم الانتصارات المتحققة على يد قوات الحشد الشعبي والجيش والأجهزة الأمنية في تحقيق سيادة القانون على كامل الأراضي العراقية، ودعوة الدول للسيطرة على المؤسسات الدينية المتطرفة التي لا تؤمن بالتعددية والتعايش، والتشديد على ضرورة إنصاف ضحايا الإرهاب، ودعم عودة النازحين للمناطق المحررة».
كذلك شدّد المؤتمر على أهمية «العمل على تعزيز المنظومة الإعلامية ضد الإرهاب، من خلال تبنّي حملة إعلامية دولية لمكافحة الدعاية والحرب النفسية من قبل الجماعات الإرهابية»، مقترحاً «تشكيل رابطة أصدقاء العراق الدولية للدفاع عن إنجازات الحشد الشعبي والجيش العراقي أمام الرأي العام الدولي»، وكذلك «إنشاء مركز دراسات متخصّص بقضايا التطرف والإرهاب».