دخل السعار السعودي ضد اليمن، أمس، طوراً دموياً، مع إقدام تحالف العدوان على ارتكاب مجزرة مروعة في محافظة حجة، ظناً منه أنه سيخرج منها بـ«صيد ثمين»، متمثّل برأس رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد. مجزرة وازاها بدء ظهور التداعيات الكارثية لقرار «التحالف» إغلاق المنافذ اليمنية كافة، والذي استثار ردود فعل أممية منددة، في وقت واصلت فيه سلطات صنعاء التحذير من تداعياته، متوعدة بالرد في حال الاستمرار فيه.
وحذّر الصماد، أمس، من «أي محاولات للاعتداء على الساحل أو الإقدام على خطوات تصعيدية لمنع المواد الأساسية والمشتقات النفطية من دخول ميناء الحديدة»، محمّلاً «التحالف» والمجتمع الدولي مسؤولية تداعيات ذلك، ومؤكداً «(أننا) لن نقف مكتوفي الأيدي»، وأن «من حقنا دراسة خيارات حاسمة وكبيرة لمنع أي خطوات لتضييق الخناق على الشعب اليمني». وجاء كلام الصماد أثناء رعايته حفل تخرج دفعة من القوات الخاصة في المنطقة العسكرية الخامسة في مدينة الحديدة. حفلٌ غادر على إثره المدينة قافلاً إلى صنعاء، عن طريق حجة، ما حمل استخبارات العدوان على الاعتقاد بأن صاحب أحد أبرز الأسماء في قائمة المطلوبين اليمنيين، التي أعلنتها السعودية مساء الأحد، أضحى سهل المنال.
من هنا، جاء القصف العنيف على منطقة هران في مديرية أفلح اليمن في محافظة حجة. 6 غارات استهدفت، ابتداءً، منزلَي المواطنَين حمدي الجماعي وعبدالله قارية، وأدت إلى مقتل 10 أشخاص من أسرة الأول، و5 من أسرة الثاني، بينهم نساء وأطفال. تَبِعت ذلك غارات أخرى على سيارتي إسعاف أدّت إلى مقتل وجرح ما لا يقل عن 10 مسعفين. واستمرت الغارات مستهدفة محطة وقود، وسيارة لطاقم قناة «المسيرة» التابعة لـ«أنصار الله»، حتى بلغت 16 غارة، ووصلت حصيلتها إلى 50 ضحية ما بين قتيل وجريح، ليس من بينهم الصماد ولا أي من قيادات «أنصار الله»!
سارعت وسائل الإعلام الموالية للعدوان وحكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى الحديث عن استهداف اجتماع قيادي لـ«أنصار الله» في أحد مباني المنطقة، مثيرة احتمال مقتل الصماد بقولها إن مصير الأخير لا يزال مجهولاً. غير أن مصادر «أنصار الله» سرعان ما بادرت إلى نفي تلك الأنباء، واصفة إياها بـ«الكاذبة»، ومعتبرة أن الهدف من ورائها «تبرير المجزرة بعدما تبيّنت فظاعة المشهد».

حذّر الصماد من
أيّ محاولات للاعتداء على الساحل

«مجزرة» من نوع آخر يبدو أن «التحالف» في طريقه إلى ارتكابها بعد تشديده الحصار المفروض على اليمن، جواً وبراً وبحراً، إذ إن تداعيات قرار إغلاق ما تبقى مفتوحاً من المنافذ اليمنية بدأت تتسارع شمالاً وجنوباً على السواء، منذرة بتأثيرات خطيرة على المستويات كافة. ففي العاصمة صنعاء، اصطفت طوابير طويلة من السيارات والدراجات النارية أمام محطات الوقود الذي سجلت أسعاره ليل الإثنين ــ الثلاثاء ارتفاعاً ملحوظاً (بلغ 60% بحسب أرقام الأمم المتحدة)، سُجّل نظيره في محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية التي يظهر أنها تتجه، هي الأخرى، نحو نقص حاد إن لم يكن انعداماً في المشتقات النفطية، بعدما امتنعت شركة مصافي عدن عن ضخّ آخر كميات البترول الواصلة إليها في المحطات.
على خط مواز، أعلنت الأمم المتحدة إيقاف توريد المساعدات الإنسانية إلى اليمن، الذي يصارع حوالى 7 ملايين من أبنائه ظروفاً «تشبه المجاعة»، ويواجهون «أسوأ أزمة إنسانية في العالم». وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بانس لاركيه، إن «التحالف طلب من آلية التحقق والتفتيش الأممية إبلاغ جميع السفن التجارية في الحديدة وصليف بضرورة المغادرة». كذلك أعلن لاركيه «تعليق الرحلات الجوية الإنسانية الأممية من اليمن وإليه»، لافتاً إلى أن «إغلاق المنافذ بدأ بالتأثير على الحياة اليومية لليمنيين في بعض المناطق»، معرباً «عن قلقه البالغ بشأن الآثار السلبية السريعة المحتملة لإغلاق موانئ اليمن».
وأشار إلى أن «المحتاجين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة»، مضيفاً أن «قطع خط الإمدادات سيعمق انعدام الأمن الغذائي ويزيد الأزمة الإنسانية»، داعياً إلى «فتح المعابر الجوية والبرية والبحرية للسماح بدخول صادرات الغذاء والوقود والأدوية». وأفاد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، استيفان دوغاريك، بدوره، بأن المنظمة الدولية «أجرت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية اتصالات على كافة المستويات مع السعودية بشأن الأوضاع الإنسانية في اليمن»، من دون التطرق إلى نتائج تلك الاتصالات.
وإلى جانب انقطاع المساعدات، والارتفاع المتوقع في أسعار جميع السلع والمواد بعدما سجّل غاز الطهي ارتفاعاً بنسبة 100%، يواجه المئات من المرضى والجرحى الذين تتطلب حالاتهم نقلهم إلى الخارج، في الشمال والجنوب على السواء، مصيراً مجهولاً، إثر حظر «التحالف» منح تراخيص لشركة الخطوط الجوية اليمنية التي أعلنت، أمس، رسمياً، تعليق رحلاتها عبر مطارَي عدن وسيئون حتى إشعار آخر.
في خضم ذلك، تتجه الأنظار إلى الجلسة المقررة اليوم (بناءً على طلب السويد) لمجلس الأمن الدولي للوقوف على الأوضاع الإنسانية في اليمن، والتي يُنتظر أن يعرض خلالها مسؤول عمليات الإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، نتائج زيارته الأخيرة إلى اليمن، والتي قال إنها «تبعث على الصدمة». وتحمل بعض المواقف الدولية التي سبقت الجلسة المرتقبة على التفاؤل بإمكان اتخاذ المجلس موقفاً إزاء الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها السعودية، والتي تستهدف، من ضمن ما تستهدف، ميناء الحديدة، «العمود الفقري للعمليات الإنسانية في اليمن»، بحسب وصف الأمم المتحدة.
ويبرز من بين تلك المواقف، خصوصاً، موقف روسيا التي أعربت عن «قلقها البالغ» حيال تطورات الأحداث في اليمن، منبّهة إلى أن الخطوات الأخيرة لـ«التحالف» يمكن أن تؤدي إلى «تصاعد جديد في المعارك، وارتفاع أعداد الضحايا بين المدنيين، وتدهور الأوضاع الإنسانية الحرجة»، متابعة أن «فرضية كهذه لا تتوافق مع الاهتمام بالتوصل سريعاً إلى حل، كما أنها تبعد احتمالات عودة الاستقرار والوفاق الوطني في هذا البلد».
وإلى جانب موقف موسكو، يأتي الموقف «الجريء» للسويد التي شددت على لسان نائب سفيرها لدى الأمم المتحدة، كارل سكاو، على «(أننا) لا يمكن أن نسمح بأن يفقد العالم الانتباه (للأزمة)، وينبغي علينا القيام بكل ما يمكننا فعله للمساعدة في تخفيف المعاناة». لكنّ تلك التصريحات «الإيجابية» تقابَل بـ«تشدد» أميركي في مجاراة السعودية في كل ما أقدمت عليه، أخيراً، من خطوات «ذات أبعاد هائلة» (وفق توصيف الأمم المتحدة لقرار إغلاق المنافذ).
تشدّد تجلّى آخر مظاهره، أمس، في دعوة الولايات المتحدة، الأمم المتحدة والشركاء الدوليين، إلى اتخاذ «الإجراءات اللازمة لإخضاع النظام الإيراني للمساءلة عن هذه الانتهاكات»، المقصود بها إطلاق الصواريخ الباليستية على أراضي المملكة. وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، إن «بلادها ملتزمة باحتواء التصرفات الإيرانية المزعزعة للاستقرار، ولن تغضّ الطرف عن هذه الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي من قبل النظام الإيراني». وإزاء السردية المتقدمة التي يزداد حرص واشنطن والرياض على تثبيتها، بدا لافتاً قول الخارجية الروسية، أمس، إن «إطلاق الصاروخ (الأخير على الرياض) تبنّاه القادة الحوثيون، ورغم ذلك فإن السلطات السعودية تتّهم طهران بالوقوف وراء هذا (العمل العدواني)»، مشيرة إلى أن إيران «ترفض هذه الاتهامات قطعياً».
(الأخبار)