شمرّ يومان على حملة وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، في بلاده، التي اعتقل خلالها العشرات من أمراء ووزراء سابقين وحاليين، غير أنها قوبلت بصمت مطبق من قبل الغرب عموماً والأوروبيين خصوصاً.
لم يصدر أي تعليق رسمي من أيّ دولة أوروبية على الذي يحصل في السعودية، البلد الذي يُعَدّ حليفاً لهم في المنطقة، وهو أمر مفاجئ إذ لم يعتد الأوروبيون التزام الصمت في مقابل أي شأن داخلي يحصل في أي دولة عربية أو غير عربية، حليفة أو غير حليفة. وعلى سبيل المثال، يعتاد الاتحاد الأوروبي ودوله إبداء الاستياء الدائم إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تركيا، والتعليق على كل حملات التوقيف التي حصلت فيها منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016. لكن، بشأن الأحداث الأخيرة التي وقعت في السعودية، لا تعليق ولا ردّ فعل إيجابياً ولا سلبياً.
على صعيد الصحافة الأوروبية، والفرنسية خصوصاً، فالحديث العام هو عن حملة يقوم بها ابن سلمان لتمكين موقعه في السلطة، وقد تكون ممزوجة ببعض الحماسة الخفية للتغييرات «الاجتماعية» في البلاد، ولا تخلو من محاولات «عقلانية» لفهم الحدث، وقبول عام بأن ما يحصل في الواقع هو تغيير للنظام السعودي.

وحدها صحيفة «لوموند» الفرنسية ربطت بين استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، والخضة التي حصلت في السعودية، إذ رأت فيهما ترجمة لوضع الرياض لنفسها في أجواء «المعركة» بمواجهة إيران.
عدا ذلك، فإن معظم القراءات التي تناولت الموضوع ركزت فيه على «تحديثات» ابن سلمان. وصنفت صحيفة «لو باريسيان» في تقرير، أمس، محمد بن سلمان بـ«الأمير الحديدي» الذي «اعتقل العشرات من الشخصيات المهمة في المملكة بهدف تقوية موقعه وإطلاق إصلاحاته». بالنسبة إلى الصحيفة، فإنّ «إصلاحات ابن سلمان» تمثّل الدافع الأساسي وراء الحملة، والتي يريد «الأمير الحديدي» القول من خلالها: «إما أن تكونوا معي أو أن تكونوا ضدّي».
وفي الصحيفة نفسها، اعتبرت الباحثة في الشأن السعودي، كلارانس رودريغيز، أن ابن سلمان «ينظّف ليحكم أفضل»، متابعة أن هدفه الأساسي يبقى التحديث الاقتصادي للبلاد، أي تنويع اقتصادها النفطي أساساً. ورأت أنّ ذلك الواقع يترافق مع تحديثات اجتماعية تتلاءم و«مرحلة مجتمع ما بعد النفط».
وبالنسبة إلى صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية، تخلّص «رجل الرياض القوي» من منافسيه تحت شعار «محاربة الفساد». ورأت أنّ ولي العهد السعودي يريد إحداث «ثورة من القمة» في السعودية ويريد تطبيق «إصلاحاته الاقتصادية ــ الاجتماعية وإزاحة منافسيه ومعارضيه المحتملين». غير أن الأهم من ذلك، وفق الباحث ستيفان لاكروا الذي تحدثت إليه الصحيفة، أن ابن سلمان أكمل سيطرته على «عنصرين رئيسيين يقوم عليهما النظام القديم في السعودية: رجال الأعمال والوزراء السابقون». «ثورة محمد بن سلمان»، وفق لاكروا، تقوم بالدرجة الثانية على «حرب الأجيال»، إذ رأى أن ما يطلقه من تحديثات اجتماعية هدفها كسب قبول شريحة الشباب في المملكة له، دون أن يلحظ الباحث كيفية ترجمة هذا القبول من قبل الرأي العام في ظلّ غياب العملية الانتخابية في المملكة.
المشكلة الوحيدة بالنسبة إلى «إصلاحات» ابن سلمان أنها «سريعة»، تختم «ليبيراسيون» نقلاً عن مراقب لم تذكر اسمه، إلا أنّه يضيف أنّ الناس المتحمسين لمشروع يخشون سرعة الأمور وتعدد اتجاهاتها.
لعلّ اللافت في تلك القراءات للأحداث في السعودية هو عدم خلوّها من تشبيه ابن سلمان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إذ رأى البعض أنّ ولي العهد السعودي يتخذ مساراً «سلطوياً». لكن تلك القراءات لم تأخذ بالاعتبار أنّ السعودية هي قائمة في الأساس على نظام سلطوي، يتصف بغياب شبه تام للحياة الحزبية والسياسية والانتخابية، على عكس تركيا أو روسيا.
(الأخبار)