في الفترة الأخيرة، شخصت الأنظار باتجاه صندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة لإصدار قراره بشأن تطبيق أحكام قانون سلسلة الرتب والرواتب الرقم 46/2017، فالمدارس التي لم تتنصّل من التطبيق وتلك التي لا تزال تحاول أن تتنصّل، قالت إداراتها للمعلّمين: نحن بانتظار جداول الصّندوق. أمّا من راجع الصندوق في الفترة السابقة لصدور قرار مجلس الإدارة، فكان يُجاب بأن المدارس مُطالبَة بتطبيق الجداول كما نشرت في الجريدة الرسميّة، وهو عين ما يفعله الصندوق.
والحقيقة أنّ صندوق التعويضات مرجعيّة معنويّة على الأقل، غير أن القانون يعطيه بحكم دوره صلاحيّات لا يجب أن يتخلّى عنها إن في حفظ حقوق المعلّمين في التعويضات بعد نهاية الخدمة، وإن قبل الحصول عليها خلال فترة ادّخارها، بحيث يجب أن تكون الرواتب والمحسومات الخاصّة بها غير منقوصة.
أعود بالذاكرة إلى زمن صدور القانون 661 بتاريخ 24/7/1997 والذي وحّد جداول رواتب المعلمين ورفعها بنسب فاقت المئة بالمئة، وما رافقه من تفسيرات وتأويلات من أصحاب المؤسسات التي عارضت بالأمس كما تعارض اليوم... يومها، كان يمكن للمعلّمين اللجوء إلى صندوق التعويضات للحصول على إفادة بالرّاتب وفق القانون، ما يضع المدارس أمام مسؤولياتها، بدل أن ينتظر المعلّم انتهاء خدمته ليكتشف أنّ عليه دفع مبالغ طائلة قبل الحصول على تعويضه.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا توقّف الصندوق عن إعطاء مثل هذه الإفادات، رغم أن السند القانوني لإعطاء الإفادة واضح في الفقرة 5 من المادة 44 من قانون تنظيم أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة بتاريخ 15/6/1956. أليس للأمر علاقة بالضجّة التي أثارتها الفروقات الفاضحة في تطبيق القانون بين من تلاعب بها ( بعض المؤسسات) ومن طبّقها كما ينبغي (الصندوق)؟
وكأني بلوبي أصحاب المدارس لا يرحم المعلّمين ولا يسمح للصندوق بأن يمارس واجباته التي نص عليها القانون وهي حماية تعويضات المعلمين.
أمّا ما حصل منذ شهرين فهو أخطر بكثير:
اجتمع مجلس الإدارة المشرف على إدارة الصندوق وأصدر القرار الذي انتظره المعلّمون، والغريب أنّ بعض الآراء التي خرجت من الصندوق همساً (قبل صدور القرار وبعده) تقول إنّ الصندوق لا يستطيع أن يلزم المدارس بتطبيق القانون: طبعاً إذا كان الإلزام بحمل العصا وضرب المخالفين، أمّا عصا القانون التي يقف أمامها الجميع، فيعتبر ما تقوم به المدارس جريمة موصوفة، لا يجوز مداراته ولو بالصمت.
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 47 من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصّة على ما يأتي: «إنّ البيانات غير الصحيحة أو المخالفة للواقع تعرّض إدارة المدرسة للعقوبات المنصوص عليها في المواد 461 و462 وما يليها من قانون العقوبات»، فماذا تقول هذه المواد؟
المادة 461: من وجب عليه قانوناً أن يمسك سجلات خاضعة لمراقبة السلطة فدوّن فيها أموراً كاذبة أو أغفل تدوين أمور صحيحة فيها عوقب بالحبس... والغرامة...
المادة 462: يُعاقب بالعقوبة نفسها من أبرز وهو عالم بالأمر وثيقة مقلّدة أو محرّفة أو منظّمة على وجه يخالف الحقيقة ومعدّة لأن تكون أساساً لحساب الضرائب أو الرسوم أو غير ذلك من العوائد المتوجّبة للدّولة أو لإحدى الإدارات العامّة...
والسؤال البديهي: من المخوّل بإحالة المخالفين على القضاء؟
المادّة 47 لا تحدّد الأمر صراحة. لكن المادّة تعني صندوق التعويضات... تعني المعلّمين، وإذا كان هذا القانون غامضاً ــ ولا نراه كذلك ــ فإنّ قانون الحق بالوصول إلى المعلومات ليس غامضاً.
تقول المادّة الأولى من هذا القانون الذي صدر منذ وقت قريب: «يحق لكل شخص، طبيعي أو معنوي، الوصول الى المعلومات والمستندات الموجودة لدى الإدارة والاطّلاع عليها...».
وتنص المادة 9: «تنشر جميع المستندات المذكورة في المادة السابقة على المواقع الإلكترونيّة للإدارات المختصة».
دخلنا الموقع الإلكتروني لصندوق التعويضات للحصول على قرار حصل عليه اللبنانيون عبر «الواتس أب»، فوجدنا أن الموقع فقير جداً، ولا ينشر القوانين الضرورية كافة، ولا نجد بين المنشورات القرارات وغير ذلك من المعلومات الواجبة النشر وفق القانون.
*ناشط نقابي مستقل