ما الذي يُريده ذاك السبهان السعودي مِن لبنان؟ منذ مدّة وهو يتوعّد على طريقة «أنا بفرجيكم». يبدو أنّه على عجلة أيضاً: «فقريباً الصمت سوف يطبق». حسناً، متى تحديداً؟ هل مثل «قريباً« في اليمن؟ كثيرون في لبنان يتشوّقون لمعرفة «يلّي رح يطلع بإيده». إن كان يُهدّد بإسرائيل، فرضاً، فهذه قديمة، ومحسوب حسابها، فهو هنا «زعطوط« أصلي. إن كان يُهدّد بأميركا، وهذا متوّقع، فما الجديد؟ مملّ جدّاً. مِن الجيّد إعلامه أنّ في لبنان مَن أصابه المَلل مِنه ومِن مملكته منذ زمن طويل.
يُريدون جديداً. أن تفعل السعوديّة شيئاً مِن نفسها. أن تقطع تصدير «حليب الربيع» إلى لبنان مثلاُ، أو بطاطا «ليز» وما شاكل (حتّى هذه مملوكة لشركة بيبسيكو الأميركيّة). لن يطلب أحد مِن مملكة السبهان، وهي مِن أغنى دول العالم، أن تكفّ عن تصدير السيارات والطائرات والبواخر ومعامل الكهرباء والمصانع الثقيلة، فضلاً عن المفاعلات النوويّة، فلبنان بحاجة إلى هذه الأشياء. تُرى هل يخطر في بالهم وقف تصدير القمح مثلاً؟ إنّها القاضية، سيموت اللبنانيّون جوعاً!

فليُفتح الهواء مباشرة مِن
شوارع بيروت لمعرفة رأي
الشعب بالسياسة السعوديّة



منذ مدّة وذاك السبهان، الوزير السعودي، يتوعّد الشعب اللبناني قائلاً لهم: «يجب عليكم الاختيار بين أن تكونوا مع حزب الشيطان أو ضدّه». لنقل إنّهم اختاروا «مع». وهم، بأكثريتهم، معه واقعاً. لكن لنقل حصل استفتاء على هذا، وثبتت أكثرية «مع»... عندها ما الذي بيد السبهانيين؟ هل ستخرج جحافل جيوشهم، الفاشلة عند حدودها اليمنيّة، لتُهاجم لبنان؟ أهلاً. بماذا يُهدّدون! كلّ شيء جربّه اللبنانيّون. كلّ شيء. لا يملكون اليوم إلا السخريّة مِمّن يُهدّدهم بالمزيد. السبهان يعلم أنّ لبنان ليس دولة ملكيّة. ما مِن ملك هنا، بلا دستور، يفرض رؤيته على الجميع. كثيرون في بلادنا لن ينتظروا مِن وزارة خارجيّتهم، أو مِن مختلف مؤسساتهم، أن تخرج وتقول لمن يُهدد شعبها، علناً، أن عليك أن تخرس أو أن تخاصمه دبلوماسيّاً. نحن في أكثر زمن لا مكان فيه للقوانين الدوليّة والأعراف الدبلوماسيّة. هنا لا يبقى للناس إلا أن يردّوا بأنفسهم. لن يقولوا له اخرس، بل واصل تهديداتك، ولكن بمحمد بن عبد الوهاب عليك، بابن باز عليك، بـ«إخوان مع أطاع الله» عليك، بتدمير آثار الجزيرة العربيّة عليك... ليكن لديك أشياء جديدة. أيّ شيء جديد. فالممل مِنكم، وحده، يقتلنا مِنذ أكثر مِن قرنين.
جمال عبد الناصر الذي رأى فيكم «عدواً». الذي سبق الجميع. كلّ مَن لم يسر معه في عداوتكم يدفع اليوم الثمن. لقد عرفكم جيّداً وقد شنّ «راديو مكّة» عليه الحملات. سخر مِنكم: «يطلع راديو مكّة ويقول إيه الكلام الخاص بإزالة الفوارق بين الطبقات، ده كلام ضدّ الدين، الفقراء ليهم الجنّة». يضحك ناصر هنا ويسخر. فات آل سعود أنّ للفقراء، فضلاً عن الجنّة، أن يضحكوا مِن الملوك المترفين وأن يسخروا مِنهم... بل، وفي لحظة ما، أن يمرّغوا أنوفهم بالتراب. لم ولن يهضم آل سعود ارتجاج جدران بيروت بهتاف «الموت لآل سعود». هذه بيروت التي ظنّوا ذات يوم أنّهم ملكوها. هتاف لم يحصل سابقاً. ذهنيّة الملوك لا تحتمل ذلك. ليست المسألة في السياسة العامة فقط، وهي أساس، إنّما مع السعوديّة تحديداً لا يُمكن إغفال البُنى النفسيّة: ذهنيّة الملوك. ذات يوم نال ناصر مِن الملك سعود، ورأى أنّ شرف جزمة كلّ عسكري مصري فوق تاجه، وهذا ما لم ولن تنساه العائلة النجديّة له. كان وحده، وفعلها. اليوم الزمن اختلف.
يستغرب السبهان في آخر تغريداته: «لكن الغريب صمت الحكومة (اللبنانيّة) والشعب في ذلك». يقصد الصمت على المقاومة. فعلاً مسألة غريبة. يتمّ تناولنا ثم لا تعترضون! نحن لم نعتدْ على هذا! لدينا الكثير مِن المال ولا يُغضَب لأجلنا! فاته أنّ العالم يتغيّر، أقلّه هنا، وأنّ «الأرض تدور». عموماً، استغرابه مِن صمت الحكومة هو شأن الحكومة، وهي غير صامتة عموماً، أمّا الشعب فمَن قال إنّه يلتزم الصمت؟ ها هو يتكلّم. اللبنانيّون، ربما، مِن أكثر الشعوب ثرثرة. السبهان حتماً يُراقبهم على مواقع التواصل الاجتماعي. لم يبقَ تقريع إلا وانهال عليه. إنّه لا يسمع إلا المدح، أمّا الرفض فهو «الصمت» عنده، فهكذا يعمل «العقل الملكي». يُمكن لهم أن »يكلّفوا» وسيلة إعلاميّة، تابعة لهم، أن تفتح الهواء مباشرة مِن قلب بيروت، وأن تسأل الناس عن رأيهم بالسياسة السعوديّة. هل يقبل السبهان هذا التحدّي؟ عموماً، اللبنانيّون ينتظرون أفعاله، ترجمه تهديداته، وليس لهم إلا هذا الرجاء... كسر المَلل.