تقول الرواية المُشتركة لأهالي بلدة العاقورة أن هناك خلافاً تاريخياً بين آل هاشم وبقية العائلات في البلدة. هذا الخلاف العميق تجلّى بـ«معركتين» شهدتهما البلدة بين الطرفين؛ واحدة جرت عام 1956 حيث أسفرت عن وقوع عشرات القتلى وأُخرى كانت عام 1979. أمّا «جذور» هذا الخلاف فتعود الى نوع من «الصراع الطبقي» على اعتبار أن آل هاشم كانوا من الإقطاع، وفق ما يقول أحد أبناء البلدة لـ«الأخبار».
هذا الخلاف المُتجذّر أدّى الى انقسام البلدة الى ما يُشبه قريتين؛ واحدة في القسم الشمالي وهي تضمّ حي «المشايخ» حيث يقطن غالبية آل هاشم، وأُخرى في القسم الجنوبي وتضمّ حي «الأهالي»، حيث تقطن بقية العائلات.
يقول جورج هاشم، أحد أبناء البلدة المطالبين بالفصل، إن معظم آل هاشم يدفعون ثمن هذا الخلاف نتيجة «حقد العائلات الدفين على تاريخ العائلة الإقطاعي»، وذلك عبر حرمان العائلة من التمثيل الصحيح في جميع الاستحقاقات البلدية التي شهدتها البلدة، مُضيفاً أن «هناك أشبه بفيتو ضدّ وصول أي رئيس من آل هاشم علماً أن عددنا يفوق الـ1200 نسمة، فضلاً عن انحياز جميع المجالس البلدية المتعاقبة لحي الأهالي وعدم الالتفات الى إنماء حيّنا، فضلاً عن التمييز ضدنا من ناحية التوظيف والخدمات وغيرها».
يلفت هاشم إلى أن «من يزر بلدتنا يعرف أن الطرفين منفصلان كلياً على أرض الواقع، نحن لا نعرف بعضنا جيّداً. لديهم مشاريعهم ولنا مشاريعنا، فلماذا لا ننفصل إداريا؟».
لكنّ مقاربة «الحقد الدفين على الإقطاعيين»، مرفوضة من قبل البعض الآخر من أهالي البلدة الذين يعتبرون أن الحديث عن «الإقطاع» غير منطقي ومُستغرباً. هؤلاء يُوظّفون مطالب آل هاشم في سعي الآخرين إلى انتزاع حصّتهم التمثيلية في المجلس البلدي.
تنقل مصادر مُطلعة على واقع البلدة أن الأخيرة هي بمثابة «نموذج مُصغّر عن آلية توزيع الحصص والمراكز في الدولة، حيث تختلف الطوائف والزعماء على المقاعد والمراكز»، لافتةً إلى أن مطلب الانقسام هو «صراع على الحصص».
يقول الباحث في علم اجتماع التنمية المحلية الدكتور أحمد البعلبكي في اتصال مع «الأخبار»، إن الحديث عن ردود فعل على ما يُسمّى «إقطاعاً» لا ينسجم والواقع الفعلي، لافتاً إلى أن البعض قد يلجأ الى إعطاء أسباب تاريخية لنزاعات وانفعالات ضيّقة لإعطائها بعداً يخدم مطالبهم. ويُشير بعلبكي الى أن «الإقطاع الجديد قد يكون أصعب من الإقطاع القديم»، لافتاً الى أن الحديث عن صراع طبقي في المناطق اللبنانية يحتاج الى دراسات وتقصّي وفهم كل حالة.
يُجاهر المنادون بالفصل، وغالبيتهم من آل هاشم، أن مطلبهم بالانفصال عن البلدة هدفه تأمين حصولهم على ثلث أعضاء المجلس البلدي، «وقد قال لنا المكتب القانوني لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن الوسيلة الوحيدة لضمان تأمين ثلث الأعضاء وبالتالي تأمين فرصة أن نأتي برئيس بلدية هو المطالبة بانقسام البلدة».

يتخوّف القصر الجمهوري من إرساء مشروع تقسيم البلدة كنموذج يُعمم على بقية البلدات

مطلب الانفصال لاقى صدىً لدى وزارة الداخلية والبلديات التي أحالت بتاريخ 24 تموز الماضي، الى مجلس الوزراء مشروع قانون يرمي إلى إلغاء اسم قرية العاقورة في قضاء جبيل وإضافة قريتين باسم «قرية العاقورة الشمالية» و«قرية العاقورة الجنوبية».
يستند المشروع الذي يقضي بتقسيم القرية في أسبابه الموجبة إلى «الحوادث الدموية التي أدّت الى سقوط عدد من القتلى». وبالتالي، يأتي مشروع القانون، بحسب الأسباب الموجبة، «حرصاً على عدالة وصحة التمثيل لكل من القسمين ومنع الخلافات العائلية في المنطقة».
وكان عدد من أبناء البلدة (أقل من 100 شخص، غالبيتهم من آل هاشم) قد تقدّموا لدى الوزارة بتاريخ 20 تموز 2017 بطلب استحداث بلدتين، ويشكون في هذا الطلب من «حرمان البلدة وتحديداً العاقورة الشمالية وأهلها من الإنماء المتساوي بسبب الخلافات العائلية التي كانت تنعكس على الاستحقاقات البلدية».
يذكر نصّ الطلب أن وزارة الداخلية سبق لها أن اتخذت قراراً باستحداث مركز مختار «لحي المشايخ» وآخر لـ«حي الأهالي»، مطالباً بـ«اتخاذ التدابير التي تسمح باستبدال بلدة العاقورة بحيث يتم إنشاء بلدتين، الأولى تُسمى العاقورة الشمالية وتتألف من حي المشايخ والثانية تُسمى العاقورة الجنوبية وتتألف من حي الأهالي، على أن تبقى حدود كل بلدة جديدة هي حدود الحي المعترف به قانوناً».
في المُقابل، يرفض عدد من أهالي البلدة ما أسموه «مشروع التقسيم»، معتبرين أن العريضة التي تقدم بها عدد من أفراد آل هاشم «لا تُمثّل العائلة كلها، خصوصاً أن نائب رئيس البلدية أسد هاشم كان أول من تصدّى للمشروع».
يقول نائب الرئيس أسد هاشم في اتصال مع «الأخبار» إن «مشروع التقسيم انتهى وقد تواصلنا مع وزارة الداخلية والمعنيين لإلغاء العريضة التي تم توقيعها»، لافتاً إلى أن «مطلب ضمان ثلث الأعضاء لا يُترجم عبر عريضة تطالب بالتقسيم». ويُضيف في هذا الصدد: «سنعمد خلال المجلس البلدي إلى دراسة اقتراح تعديل النظام الداخلي لضمان حصول آل هاشم على ثلث الأعضاء وسنرى مدى قابلية وقانونية تحقيق هذا الأمر».
في هذا الوقت، تُفيد المُعطيات أن مشروع القانون لم يُدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الماضية بضغط من «القصر الجمهوري» الرافض بشكل قاطع تمرير مشاريع كهذه، تخوّفاً من إرسائها كنموذج يتم تعميمه على بقية البلدات. من جهتهم، يردّ الموقعون على هذه العريضة بالتهديد بتصعيد تحركاتهم لتمرير مشروع القانون «من أجل استرداد حقوقهم».
إلا أن هذه الحادثة تُعيد طرح النقاش المتعلّق بدور البلديات في المناطق الذي يتعدّى حُكماً، بحسب القوانين التي ترعى البلديات، مسألة التمثيل العائلي وتتجاوزه الى مسؤوليات تتعلّق بالتنمية المحلية وبالنهوض بالمناطق. من هنا، يغدو مطلب «تصغير البلديات» يضرب أهداف التنمية التي «تفرض توسيع إمكانيات البلديات ونطاقها لا العكس»، وفق ما يقول وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود. يضيف الأخير أن هناك ضرورة للحدّ من عدد البلديات الذي قارب الـ1100 بلدية فيما تسعى بقية الدول الى خفض عدد البلديات، مثلاً في الأردن هناك 200 بلدية وفي تونس هناك نحو 100 بلدية «وهي دول تفوق لبنان من حيث الحجم الجغرافي والسكان».
يُشير بارود الى أن القانون 665 الذي صدر عام 1997 ألغى الشروط التي كانت مفروضة من أجل استحداث البلديات؛ هذه الشروط تتعلّق بالعدد الأدنى للمُسجلين في لوائح الشطب فضلاً عن الحد الأدنى من الواردات، لافتاً الى أن إلغاء هذه الشروط أدّى في ما بعد الى استحداث بلديات «بالاستنساب» بقرار يُصدره وزير الداخلية والبلديات.
ينطلق بارود من هذه النقطة ليُشير إلى أن الاستحداث «العشوائي» للبلديات أدّى الى فقدان الكثير من البلديات لقدراتها الإنمائية في النطاق الجغرافي الذي يخضع لسلطتها، لافتاً إلى أن حالات فصل البلديات تكون إيجابية في حال توفرت الإمكانيات المالية وغيرها، وداعياً الى دمج البلديات الصغيرة وتوحديها خدمة لدور البلديات الإنمائي.