تقول «الأسطورة اللبنانية» إن اللبناني يمكنه أن يتزلج في أعالي الجبال، وإذا أحب أن يسبح على الشاطئ فلن يستغرقه ذلك أكثر من نصف ساعة. «الاسطورة» هذه تشير الى مدى قرب جبال البلد الصغير من سواحله. لكن الواقع سبقها بأشواط. في الجية، وعلى بعد أقل من 100 متر من شركة الكهرباء، جبل النفايات بات يطل على أوتوستراد صيدا – بيروت وعلى البحر مباشرة.
فيما، في سبلين، «تزيّن» النفايات جنبات الطرق. والحال نفسها تنطبق على معظم المناطق في إقليم الخروب. نفايات في كل مكان. الكارثة تتسع. والدولة تلعب لعبة القرود الثلاثة: لا ترى ولا تسمع ولا تتدخل. وبقية القصة معروفة.
في 2015، ومع إقفال مطمر النفايات في الناعمة، سارعت الدولة والقوى السياسية إلى اقتراح إقامة مطمر في منطقة الإقليم لنفايات لبنان كله. عرض النائب وليد جنبلاط إقامة المطمر في منطقة سبلين، فاعترض الأهالي... «طنّشت» الدولة التي قامت بحل أزمة بيروت وضواحيها من خلال فتح مطمري الكوستا برافا وبرج حمود، وتركت الإقليم لبلدياته التي لجأت الى مكبات عشوائية أو اختارت حلولاً أخرى لا تقل عشوائية، إما طمراً أو حرقاً. في بعاصير، مثلاً، تجمع البلدية النفايات وتطمرها في أرض مشاع وسط البلدة. في المنتصف تماماً. وفي برجا، لا شيء يختلف. وفي الجية، خصصت البلدية مكباً عشوائياً في «وادي المعنية»، في أرض تملكها على طرف البلد. صار المكب جبلاً ضخماً، بعيداً عن أنظار الناس، لكن أثره قريب جداً.

الدولة تلعب لعبة
القرود الثلاثة: لا ترى ولا تسمع ولا تتدخل

مصادر أهلية متابعة للملف أكدت لـ«الأخبار» أن الدولة، بإهمالها الأمر، تسعى لـ«تركيع» أهالي الإقليم وإجبارهم على فتح مطمر في المنطقة. فيما الأحزاب السياسية، وخاصة «المستقبل» و«الاشتراكي»، تطالب بحل بيئي، كمراكز المعالجة ومعامل الفرز أمام الأهالي، حتى لا تتعرض للضغوطات، خاصةً وأننا على أبواب انتخابات. لكنها، فعلياً، لا تتحرك للضغط على الدولة (والأحزاب هي الدولة) لاتخاذ قرارها. في غضون ذلك، «ترتفع» الجبال قرب البحر، وتتزايد المكبات العشوائية والمطامر. فيما تكاد عزيمة الناس تخور بحثاً عن «أي حل» للمشكلة.
في 17\3\2016 أصدر مجلس الوزراء مذكرة نصت على أن «يحدد مركز المعالجة والمطمر الصحي في منطقتي الشوف وعاليه في مرحلة لاحقة بالتشاور مع البلديات المعنية»، وتضمنت المذكرة «تخصيص 50 مليون دولار أميركي لتغطية مشاريع انمائية في البلدات المحيطة لكل من مطمر قضائي عاليه والشوف ومطمر مفرق تل غريز». رئيس بلدية بعاصير، أمين القعقور، يؤكد «أننا لن نساوم ولن نقبل بموضوع المطمر حتى وإن أعطونا ملايين الدولارات». وأضاف «الدولة تركتنا واهتمت بمشكلة بيروت وضواحيها فقط، والأحزاب السياسية مسؤولة عن هذا الوضع». ولفت الى أنه منذ بداية الأزمة في الإقليم «نسعى كبلديات إلى حل هذه الأزمة، وتواصلنا عدة مرات مع رئيس الحكومة ومع الأحزاب السياسية لايجاد حل، ولكننا لم نتلق أية مساعدة في هذا الموضوع، فبقي الموضوع على عاتقنا»، وأضاف: «نحن كاتحاد بلديات الاقليم الشمالي نقوم باجتماعات دورية ونسعى لحل الأزمة بطريقة صحية وسليمة». الرجل وبلديته يحاولان، كما يقول. في النهاية، أين ستذهب النفايات؟
في الوضع الحالي، النفايات ترتفع. الناس تتململ من البلديات، والبلديات تتململ من الدولة. في محاولة للتوضيح، يشير رئيس بلدية برجا، نشأت حمية الى «أننا اقترحنا إقامة معمل فرز في منطقة الإقليم ولكن لم نكن متفقين بعد على المكان، نظرا لعدة عراقيل، إما من قبل الدولة أو من قبل الأهالي». في بلدية برجا يقولون إنهم قدموا الاقتراحات بدورهم: «في آخر اجتماع لاتحاد بلديات الإقليم الشمالي، توصلنا إلى اقتراح تقسيم المنطقة إلى ثلاثة أقسام، وإقامة معمل فرز في كل منها، لكننا لم نتفق على المكان ولا على الكلفة، فنحن كبلديات نستنزف ماليا والعروضات التي تأتينا عالية الكلفة، ولا نستطيع تحملها». وطالب حمية الدولة والأحزاب السياسية بالتحرك لحل هذا الموضوع «فنحن كإقليم تحملنا الكثير من الملوثات، ويجب على الدولة حل مشكلتنا، أقله بشكل مؤقت». وأكد على «أن فكرة المطمر مرفوضة وإن اضطررنا سننزل إلى الشارع». في انتظار «النزول» العتيد، النفايات ترتفع، وتسبقها رائحة البلاد، التي وصلت إلى السماء.