قلّل وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، من تأثير الأزمة الخليجية في اقتصاد بلاده، قائلاً في مقابلة مع وكالة «رويترز» (راجع العدد ٣٣٠٩ في ٢٧ تشرين الأول) إن قطر «قضية صغيرة جداً جداً جداً» لن تؤثر. ويأتي تسخيف ابن سلمان لأزمة بلاده مع قطر بعد أيام قليلة (الثلاثاء الماضي) من تحذير أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، في برلمان بلاده، من تصدّع وانهيار «مجلس التعاون الخليجي»، معتبراً أن الأزمة الخليجية هي الأكبر منذ سنوات، وقد تؤدي إلى تدخلات إقليمية ودولية تلحق أضراراً مدمرة بأمن الخليج وشعوبه.
تجاهل ابن سلمان للتعقيد الخطير لتلك الأزمة وتداعياتها على دول الخليج برمتها لا يقلل من اعتبار الأزمة تشكل أسوأ صدع شهدته دول الخليج منذ عقود، وأن أزمة ابن سلمان الحقيقية هي فشل بلاده في كل ملفات الإقليم، وانسداد الأفق السياسي والعسكري في حربه على الشعب اليمني. حتى إن إمارة قطر، تلك الدولة الصغيرة التي ليس لها منفذ بري سوى من السعودية، استطاعت التملص من الحصار والخروج من نظام الوصاية والهيمنة. وكان أمير الكويت، الذي تتوسط بلاده في حل الأزمة، قد صرّح أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن بأنه استطاع منع حدوث الأسوأ في بداية الأزمة، في إشارة إلى أن الرياض وأبو ظبي والقاهرة كانت على وشك القيام بعمل عسكري ضد قطر!
في غضون ذلك، لا يمكن اعتبار استخفاف ابن سلمان بأزمة بلاده مع قطر إلا من باب الهروب من حجم المهانة اللاحقة بالرياض جراء انكشاف ضعفها وقلة حيلتها (السياسية والاقتصادية والدبلوماسية) أمام استعصاء الدوحة ونجاحها في تأمين بدائل متنوعة وأكثر تخففاً من القيود والشروط المفروضة عليها سابقاً من الرياض، والمقصود هنا كلّ من طهران وأنقرة. وتعمل الدوحة في الفترة الأخيرة على الاستفادة من موسكو، فضلاً عن زيادة وتيرة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع الإشارة إلى أن الأخيرة تخشى أن يؤدي استمرار الأزمة إلى تحالف جدي بين الدوحة وطهران، ولا سيما أن خيوطاً رفيعة بدأت بالظهور عن ترميم علاقة طهران مع بعض أحزاب «الإخوان المسلمين» في المنطقة المرتبطة عضوياً مع الدوحة.
صحيفة «ذا غارديان» البريطانية عبّرت عن تلك الخشية، الأسبوع الماضي، بالقول إنها تتوقع أن يتدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل إنهاء حالة «الخصومة الشديدة» القائمة بين قطر ورباعي المقاطعة، مشيرة إلى أن واشنطن يساورها قلق من أن يؤدي النزاع الخليجي ــ الخليجي إلى علاقات أوثق بين قطر وإيران، والأمر نفسه حذر منه وزير الدفاع الأميركي جيس ماتيس، في بداية الأزمة، بالقول إن الضغط الزائد على قطر قد يؤدي بها إلى التقارب مع إيران.
جهات مطّلعة رجّحت أن يكون تصريح ابن سلمان بشأن قطر مؤشراً على الامتعاض والضيق السعوديين، وأن المملكة في صدد سعي جدي للذهاب باتجاه التصعيد. كذلك فإن واشنطن باتت تخشى من تهوّر دول المقاطعة نحو المحظور. وفي هذا السياق، قال أمير قطر تميم بن حمد إن ترامب أبلغه بوضوح أن واشنطن لا تقبل اقتتال أصدقاء أميركا في ما بينهم، في إشارة إلى أطراف الأزمة الخليجية، وأضاف أنه إذا حدث أي عمل عسكري، فإن المنطقة ستقع في الفوضى. وكشف تميم أن الرئيس الأميركي اقترح عقد اجتماع في كامب ديفيد لأطراف الأزمة من أجل إيجاد نهاية لها. وأضاف، في مقابلة مع قناة «سي بي أس» الأميركية، إن ترامب أخبره بأنه «ملتزم إيجاد نهاية للأزمة الخليجية».
في غضون ذلك، ساعدت التناقضات داخل الإدارة الأميركية حيال كيفية مقاربة الأزمة مع قطر في استفادة الأخيرة من تلك التناقضات، وإقناع أطراف وازنة في الإدارة، منها الخارجية الأميركية، ببطلان الاتهامات السعودية، كذلك سارعت الدوحة إلى طمأنة واشنطن بالحفاظ على سعر الغاز الحالي، وبفتح منظومتها المالية أمام وزارة الخزانة وأجهزة الاستخبارات الأميركية لفحص التحويلات المالية المشتبه فيها بدعم الإرهاب. كذلك، فإن الديبلوماسية القطرية أظهرت مرونة في إدارة الأزمة، وإبقائها الأبواب مفتوحة للحوار مقابل تعنّت سعودي في رفض المبادرات السياسية وإبقاء الأبواب مؤصدة إذا لم تنفّذ الدوحة المطالب الـ13.
وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في زيارته الأخيرة إلى المنطقة (19/10)، قد قال إن سبب عدم إحراز تقدم في حل الأزمة الخليجية راجع إلى دول الحصار الأربع، مؤكداً في تصريحات إلى وكالة «بلومبيرغ» أن «الأمر الآن متوقف على رغبة الدول الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين ومصر) في الانخراط مع قطر التي كانت واضحة جداً بهذا الشأن، إنها مستعدة للانخراط». وأضاف: «ليس لدي الكثير من التوقعات لحل الأزمة في وقت قريب».
أما الإعلام والكتاب السعوديون، فاتهموا تيلرسون بإرضاء قطر لارتباطه السابق مع الشركات النفطية الأميركية التي تعمل مع قطر، كذلك كانت السعودية قد استبقت زيارة تيلرسون برفضها المشاركة في برامج المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة ودول الخليج بسبب مشاركة قطر فيها.