بين ترجمته «دراما اللامعقول» لمارتين اسلين (نشرت ترجمته وزارة الارشاد الكويتية عام 1970) وانشغال رواد وهواة وعباقرة المسرح بترجمته لكتاب «فن المسرحية» (1973) للمؤرخ الفني ميليت ـ جيرالدايدس بنتلي، كان المترجم الناقد صدقي حطاب (الصورة)، الذي رحل قبل أيام، قد وضع بصمة حائرة لتكوين ناقد وباحث ومترجم عربي، اتقدت رؤاه الابداعية مبكراً، منذ ولادته (1932) في إحدى قرى مدينة طولكرم. على الارض الفلسطينية، ومن تلال «قرية كفر صور» المشبعة بالاشجار والاعشاب والازاهير، تعلم صدقي حطاب أنّ العالم يبدأ من فلسطين وينتهي في عرزال بيتهم حيث فانوس ترتج ذبالته على لهاث الطفل الذي يلثغ بالقراءات الاولى.
حصل حطاب على إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة القاهرة 1955، ابان المد الاشتراكي الذي نما مع وصول جمال عبد الناصر الى الحكم، مانحاً التعليم والتربية والثقافة والفنون والعمل السياسي والاجتماعي، دفعاً وزخماً أسهمت فيه مجموعة من الطلبة العرب من لبنان وفلسطين والاردن وسوريا والخليج والعراق. معها، انطلق صدقي حطاب مستفيداً من قوة اطلاعه على اللغة الانكليزية والفرنسية واشتغاله العميق في الترجمات التربوية والسياسية والادبية وفي مجال الفنون.
وكان ابن فلسطين المشاغب - بحسب مجايله- أتم دراسته الابتدائية في قريته، والثانوية في طولكرم، ثم التحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة حيث درس الأدب الإنكليزي وحصل على الإجازة سنة 1955. نال الماجستير عن رسالته «مذهب ريتشاردز في النقد الأدبي»، ثم الدكتوراه من جامعة لندن عن رسالته «أثر إليوت في الأدب العربي المعاصر».
توج صدقي دراساته عندما توجه الى جامعة لندن 1967، ليكمل دراساته في الترجمة والآداب المقارنة، عاد الى فلسطين وتابع رحلته الى الكويت نتيجة نكسة 1967.
مع ذلك، فإن البصمة الحقيقية في ابداع وتجربة حطاب أنّه طرق أصعب الترجمات أي فن المسرح مبكراً وسط ازمات سياسية واجتماعية علت وشائجها واوشحتها البلاد العربية والعالم قبيل النكسة، وكان طرح ترجمة «فن المسرحية» عبر «دار الثقافة» في دمشق. ومنه نهل كبار مبدعي العمل المسرحي على خشبة المسرح وفي الجامعات ومسرح الشارع وغيرها من المؤثرات الهامة.
وكانت تجارب حطاب مؤثرة ادبياً وفنياً من خلال احتكاكة برواد المسرح في فلسطين والكويت، ما جعله يجرؤ على ترجمة مهمة جداً في مستواها التاريخي- ومستولاتها الابداعية في ما بعد. فقد استفاد فن المسرح العربي من ترجمة حطاب، ما أعلى من فهم الجمهور لدلالات العمل داخل خشبة المسرح.
حطاب حرك أسئلة المترجم- المفكر، فتناول معضلات منها: لماذا اختار مارتن إسلين مسرحيات يونسكو وبيكيت وجينيه وأداموف، لتكون نموذجاً حرياً بالجمع بين دفتي كتاب «مدهش» أولاً، ويلقي بسلاله عبر رواد المسرح نحو ثقافة ابداعية جادة» من المعروف أن مصطلح العبث أو اللا معقول يعود إلى إسلين في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم.
مقالة ألبير كامو التي كتبت في عام 1942، منحت المصطلح مشروعيته امام النقاد والجمهور، وفيها دعا الى تقديم الموقف الإنساني بشكل مهيمن وأساسي على أنّه موقف عبثي لا معنى له. وبعد إسلين، تداول الكتاب والنقاد المصطلح بما يعني العبث واللا معقول.
عندما ظهرت مسرحيات يونسكو وبيكيت وجينيه وأداموف على المسرح للمرة الأولى، حيّرت معظم النقاد والمشاهدين وأثارت سخطهم، وهذا ما يتركه الفن المختلف الذي يثير القلق.
ومع ترجمة الراحل، نجحت تلك المسرحيات في اثارة نمط مختلف من المقاومة وفهم دلالة وعي الجماهير للفن وقوته في تشكيل عقل الشعوب، هنا تميزت مبادرة صدقي حطاب - البصمة!