على الرغم من إخفاق مسلسلهما الرمضاني الفائت «أحمر» لأسباب تتعلق بالإخراج، لم تخفّ حماسة الزميل علي وجيه ويامن الحجلي عن الكتابة الدرامية. هكذا، وضع الشابان السوريان هذا الفشل وراءهما، وأنجزا نص «هوا أصفر» الذي تدور كاميرا مخرجه أحمد إبراهيم أحمد حالياً في جبيل (شمال بيروت)، وتتوزّع مشاهده بين لبنان وسوريا. يُحكى الكثير عن هذا المسلسل لجهة التصاقه بالواقع وبعده عن الافتعال، فضلاً عن غناه بالأحداث التي تشكّل الدينامو الأساسي للحكاية وتُخضع سلوك الشخصيات الكثيرة لها.
المسلسل دراما اجتماعية معاصرة غنيّة بالتطوّرات، يعد صنّاعه بأن يكون مختلفاً تماماً عن الخلطات السورية ــ اللبنانية التي شاهدناها على الشاشة الصغيرة خلال السنوات الماضية. إذ فرضت التركبية الدرامية المُحكمة هذا التداخل الطبيعي الذي لم يُقحم لغايات تسويقية!
المشروع المقرّر عرضه في رمضان 2018، يجسّد حال «منطقة كاملة يخيّم عليها هواء محمَّلاً بالكثير من الاضطرابات والأمراض الاجتماعية التي تجب مناقشتها اليوم، وهي نتيجة صراعات وأزمات (ناعمة وخشنة) شهدتها المنطقة ككل والممثلة بدمشق وبيروت»، يقول علي وجيه في اتصال مع «الأخبار». ويضيف: «هاتان المدينتان شهدتا أموراً مشتركة عدّة، وسنرى في «هوا أصفر» كيف أنّهما متشابهتان في نواحٍ معيّنة ومختلفتان في أخرى. وهناك أيضاً الهوى كإحدى درجات الحب الذي يبرز عبر العلاقات المنوَّعة. بعضها نقي يجرّب النجاة بنفسه من محاولات محيطه لخنقه، وبعضها مسموم، بعضها الآخر غير سوي، وبعضها مستحيل...». ويشير علي إلى أنّ لاسم «هوا أصفر» كذلك دلالات عملية ستبرز في المسلسل لاحقاً لدى عرضه، مشدداً على أنّه «أردنا للشخصيات اللبنانية والسورية أن تكون من لحم ودم، حقيقية ومن أرض الواقع، وأن يكون لكل منها همّ على صعيد الشخصي، فيما يجمعها هم عام اجتماعي بحت... يمكن القول إنّ العمل يتعلق بمفرزات منطقة كاملة تصنع الأشخاص. البعض كان ضحية، ومن ثمّ تحوّل إلى جلّاد لآخرين... فهل مَنْ يكون صنيعة محيط ما يقدر على التخلّص من العوامل السلبية أو يكون أسير «قدر مرسوم»؟». كل ذلك سنتابعه من خلال أربع شخصيات رئيسية هي: «شغف» (سلاف فواخرجي) و«سوار» (وائل شرف) اللذين يقعان في مواجهة «كريم» (يوسف الخال) الذي يهدف إلى الفوز مهما كان الثمن. على خط موازٍ، سنرافق «أمير» (يامن الحجلي) في رحلة صعوده من القاع، من طريق استغلال الظروف المحيطة به. علماً بأنّ قائمة أبطال العمل تضم أيضاً: حلا رجب، وفادي إبراهي، وعبد الهادي الصباغ، وندين تحسين بك، وراشيل نخّول، وحسان مراد، وجوي خوري، ويزن خليل، وتيسير إدريس، ورامز أسود، وجلال شموط، ومجدي مشموشي، ومهدي فخر الدين، وزهير رمضان، ومرح جبر، وعلاء قاسم، ومابيل سويد، وفائق عرقسوسي، وأنطوانيت نجيب، وغيرهم.


كُتب النص ضمن
ورشة عمل تُشبه تكنيك الدراما التلفزيونية الأميركية الرائجة اليوم


الآمال الكبيرة التي تبدو معلّقة على «هوا أصفر» وكل ما يتردّد عن اختلافه قادنا أوّل من أمس إلى زيارة كواليس تصويره في بيبلوس. في منطقة ساحرة تحيطها تلال خضراء وتتوسّطها طريق ضيّقة تقود إلى بشتليدا وفدار وغيرهما من قرى هذا القضاء، التقينا بيوسف الخال أثناء تصويره عدداً من المشاهد. تُعَدّ شخصية «كريم» مختلفة عن كلّ الأدوار التي لعب الخال سابقاً و«عن شخصيتي أيضاً. يرث هذا الرجل مشكلة الحرب، وبعدما يتعرّض لحادثة معيّنة يقرّر أنّ الشرّ هو أنسب السُّبل لتحقيق مراده، حتى أنّه يعتقد مثلاً أنّه يمكن الحصول على الحب بالمال والعنف»، على حد تعبيره. عوامل عدّة جذبت بطل مسلسل «جذور» (2013) إلى هذا المسلسل «الغني جداً»: «بعد مشاركات عدّة في أعمال تجري في حقبات قديمة آخرها «أدهم بيك» في رمضان الماضي، أعتقد أنّه حان وقت التغيير. إثر انضمامي إلى مجموعة من مسلسلات الـ «بان ــ أراب»، أرى في الخطلة اللبنانية ــ السورية مصلحة لي على صعيد الانتشار الأوسع. صحيح أنّ انتقادات كثيرة وُجّهت إلى الأعمال العربية المشتركة، لكن «هوا أصفر» غير. فالخط اللبناني لم يسقط من السماء من دون مناسبة... الخطّان السوري واللبناني يكمّل بعضهما البعض». أما عن وقوفه للمرّة الأولى أمام الممثلة السورية سلاف فواخرجي، فيؤكد الخال أنّه متابع لأعمالها منذ فترة طويلة ومعجب بها ومستمتع بالعمل معها، لافتاً إلى أنّه يدرس حالياً عملاً قد يقدّمه في شهر الصوم المقبل أيضاً، إلى جانب استعداده الشهر المقبل لإطلاق المسرحية الغنائية «حركة 6 أيّار» للأخوين فريد وماهر صباغ في «قصر المؤتمرات» في الضبية (شمال بيروت): «العمل وطني وهادف، يطرح حلولاً لبعض المشاكل السياسية الموجودة في النظام اللبناني القائم، وتُعَدّ استكمالاً لمسرحية «الطايفة 19» التي قدّمتها في 2014 مع الأخوين صبّاغ، لكن بعد عشرين عاماً. هذه فرصة جيّدة جداً، خصوصاً أنّني أحب الغناء ولم أحترفه، كذلك فإنّ المرء يشعر بأنّه بأمان مع هذين الرجلَيْن المحترفَيْن».
بعد هذه دردشة السريعة، توجّهنا صوب مستشفى «سيّدة المعونات» في المدينة الساحلية الجذّابة حيث سنلتقي بفواخرجي. قبل تصوير مشهدها بالثياب الرياضية الرمادية والزهرية، نعثر على مساحة صغيرة بعيدة عن أشعة الشمس ونسألها عن «شغف» التي أعادتها إلى التلفزيون بعد غياب العام الماضي. «أفضّل ألا أقول الكثير. في هذه الشخصية كل تناقضات المرأة. تحاول البحث دائماً عن حقها والمحافظة عليه، ولو اضطرها الأمر أحياناً إلى القيام بأعمال لا تلبّي طموحاتها أو رغماً عنها، سواء لإرضاء الآخرين أو انصياعاً للظروف... هكذا، نجدها نساء عدّة في امرأة واحدة. تحاول متابعة حياتها لكنّها عندما تقرّر الانتفاض والبحث عن نفسها وعيش شغفها تواجه الكثير من العقبات»، تقول سلاف. ثم تشرح أنّه إلى جانب تبنّيها للشراكة القائمة بين علي وجيه ويامن الحجلي، جذبها نص العمل لأنّه «حقيقي وواقعي جداً، وأشعر بأنّه سيكون قريباً من الناس. يصوّر إلى أي درجة يمكن وباءَ العنف أن يتغلغل في دواخلنا، فلكل علّة دواء باستثناء العنف والكره اللذين نعيشهما اليوم. المسلسل فيه حياة وصخب ومليء بالشخصيات والقصص، وأعتقد أنّه سينجح في شدّ الجمهور». على طاولة سلاف خيارات مهنية أخرى، من بينها عمل مصري ومشروع إخراج، غير أنّها تفضّل «التعامل معها الواحدة تلو الأخرى».
في الموقع نفسه، فوجئنا بوجود يامن الحجلي الذي وصل للتو من الشام. يطل الأخير في هذا العمل بشخصية «أمير» الذي يبدأ من العدم رحلة الصعود، مستغلاً الظروف المتاحة التي عادة ما تشكّل أرضية لهذه النماذج للتحوّل إلى «عناصر كارثية على المحيط».

رصد ميزانية عالية
من دون مبالغة
يشير الحجلي إلى أنّ «أمير» و«كريم» ببساطة «وجهان لعملة واحدة». وعن مشروعه الثالث مع علي وجيه على صعيد الكتابة بعد «عناية مشدّدة» (2015) و«أحمر» (2016)، يرى يامن أنّ النص الذي نحن أمامه اليوم يشكّل «امتداداً لطريقة العمل التي اعتمدناها في المرّتين السابقتين، لكن ربّما أكثر نضجاً. بصراحة، نحن نؤمن بأنّ الدراما العربية المشتركة يجب أن تخرج من دائرة السذاجة والانفصال عن الواقع. كذلك، لا يريد المشاهد الرسائل التلقينية والمواعظ، بل هو بحاجة لمحاكاة مشاعره ودفعه إلى طرح أسئلة جديدة». أما في ما يتعلق بحظوظ «هوا أصفر»، فيرى الفنان الشاب أنّه يمتلك عناصر قد تمكنه من النجاح، هي وجود ممثلين متمكنين، وحبكة درامية مُحكمة ومبرّرة، إضافة إلى أنّ «شراكتي مع علي تؤدي إلى نتائج أفترض أنّها جيّدة»، فضلاً عن منتج مثل رضا الحلبي يلبّي متطلّبات العمل».
الحلبي كان بدوره حاضراً على البلاتوه. بعد تجارب إنتاجية عدّة منها مسلسل «صلاح الدين» (2001) والجزءين الأوّلين من «بقعة ضوء» (2001 و2002)، ابتعد الرجل عن هذا المجال قبل أن يقرّر أخيراً تأسيس شركة «Cut للإنتاج الإعلامي والفني»، و«هوا أصفر» هو أول إنتاجاتها. يؤكد الحلبي أنّ عودته تصبّ في خانة محاولة «إعادة شيء مما فقدته الدراما السورية أخيراً لجهة السوية الفنية، نتيجة الظروف الحالية التي أدّت إلى هجرة عدد كبير من الفنانين والفنيين»، وقد اقتنع أيضاً بالعمل منذ قراءة الملخّص والحلقات الأولى ليُتابع مراحل تطوّره خطوة بخطوة: «الواقعية وتسارع الأحداث وغياب الملل إلى جانب الحبكة المتماسكة... هذه العناصر وغيرها تُسهم في إنجاز عمل جيّد، فضلاً عن كاست فني عالي المستوى ونجوم محترفين ومخرج متمكّن، من دون أن ننسى المنتج الذي لا يبخل عليه إطلاقاً لكن من دون مبالغة». هنا، يوضح رضا الحلبي أنّ الخطة التسويقية لم تبدأ بعد، لكن يعتمد قاعدة أنّ «العمل الجيّد لا بد وأن يفرض نفسه».
بعدما اقتربنا من فقدان الأمل من إمكانية الحديث إلى المخرج أحمد إبراهيم أحمد بسبب انشغاله الشديد، حصلنا على تصريح مقتضب حول «هوا أصفر» الذي أعاده للعمل مع الكاتبين الشابين بعدما شاركهما في مشروعهما الأوّل «عناية مشدّدة» الذي حظي بنجاح محلي. «أنا وعلي ويامن أصدقاء منذ زمن. تحمّست للمسلسل منذ البداية لأنّه مختلف عمّا قدّمناه سابقاً. كثرة الأحداث والشخصيات مع الميزانية العالية المرصودة له وجدّة النص لا بد أن يكون لها معادل على صعيد الصورة. هذا الواقع يعطيني مجالاً أكبر للاستعراض إخراجياً. أما النتيجة فستظهر على الشاشة».