عادت مي زيادة (1886- 1941)إلى الواجهة مجدّداً، ولكن باسمها المستعار «إيزيس كوبيا»، الاسم الذي وقعّت به أشعارها المكتوبة بالفرنسية «زهرات حلم»، قبل أن تستعيد اسمها الأصلي في أعمالها اللاحقة.
هكذا وجد واسيني الأعرج في حياة هذه الكاتبة المتمرّدة متناً روائياً يتأرجح بين التوثيق والتخييل، خصوصاً في الفترة التي عاشتها في مستشفى الأمراض العقلية «العصفورية» في لبنان. وأشار الروائي الجزائري إلى أن روايته «ليالي إيزيس كوبيا: ثلاثة مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية» (المؤسسة الوطنية للفنون- الجزائر)، هي «أول رواية عربية تستدعي إبداعياً حياة مي زيادة، في لحظة مأساتها، في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية في بيروت «العصفورية»، بعد أن اتهمها أقاربها بالجنون للتخلص منها، والاستيلاء على ميراثها، لأنها كانت وحيدة والديها المتوفيين».
يطارد الراوي ومساعدته رحلة مخطوطة ضائعة توثّق ليالي العصفورية بكل ما فيها من فجيعة وأسرار وانكسارات، بين أمكنة مختلفة عبرتها هذه المخطوطة الملعونة، وتنافس جهات عدة في الحصول عليها. في المخطوطة المفترضة تكشف مي «تاريخها الشخصي، ولكن أيضاً الظلم الاجتماعي الذي تعرضت له من أهلها وأصدقائها. تدين كل من أجرموا في حقها». وتتيح هذه الشخصية الاستثنائية للروائي والراوي في آنٍ واحد، استعادة أسئلة مطلع القرن المنصرم ووضع المرأة في المجتمع الشرقي بخصوص مسألة الإرث خصوصاً، كما يعرّج على «معضلات الحداثة في مجتمع ما بين الحربين التي ظلّت خطاباً فوقياً ونخبوياً، من دون أن يلامس المشكلات الحقيقية». سنلتقي في متن هذه الرواية شخصيات رائدة من تلك الحقبة العاصفة مثل طه حسين، والعقّاد، وجبران، وأمين الريحاني، ولطفي السيد، ولكن من موقع الاتهام، لجهة تخليهم عن مي في محنتها أولاً، وعدم مواجهة مجتمع يرزح تحت ثقل الأعراف الذكورية والمنظومة الدينية الصارمة ثانياً.
من جهتها، أنجزت الممثلة اللبنانية دارينا الجندي (1968) كتاباً عن مكابدات مي زيادة بعنوان «سجينة بلاد الشام» (دار غراسيه- باريس)، هي التي عاشت محنة مشابهة، قبل أن تتمكن من مغادرة بيروت إلى باريس، لتكتب خذلانها الشخصي، باقتفاء أثر مي زيادة في القاهرة، ونبش كل ما يتعلّق بحياتها، وكأن ما حدث في الأمس يحدث اليوم بالتفاصيل نفسها.