أيّاً كانت الخلفيات الإقليمية للتكتيك الذي تنتهجه القيادة السياسية الإسرائيلية في مقاربة اتفاق المصالحة، تبقى للمؤسسة الأمنية في تل أبيب أولوياتها وضوابطها التي تقارب من خلالها أي مستجد سياسي أو أمني. وتراقب الترجمة العملية لهذا الاتفاق، لجهة تأثيره على هامش المبادرة والرد وبما يعزز الاستقرار الأمني الذي يتمتع به غلاف قطاع غزة في هذه المرحلة.
بعيداً عن التقديرات والرهانات التي تسود في تل أبيب إزاء مستقبل اتفاق المصالحة بين «فتح» و«حماس»، ومفاعيله، تؤكد بعض التقارير أن كثيرين في إسرائيل يريدون النظر إلى الاتفاق بمثابة سلم لنزول «حماس» عن شجرة الكفاح من أجل تدمير إسرائيل. أمّا الرئيس محمود عباس فليس لديه ما يخسره خاصّة بعدما أصبح ذا صلة، ويعزّز نفسه بنظر حكومة الرئيس دونالد ترامب التي قد ترى في عودة السلطة إلى غزة، خطوة تمهيدية باتجاه «صفقة القرن»، التي تعمل عليها الإدارة الأميركية من أجل عقد اتفاقية سلام إقليمية، يتم فرضها على الواقع الفلسطيني.
في هذا الإطار، لوحظ أداء إسرائيلي منضبط، قياساً إلى ردود الفعل على اتفاقيات المصالحة السابقة، بهدف عدم الوقوف بوجه عرّابَي الاتفاق القاهرة وواشنطن. ولكنهم في الوقت نفسه ما زالوا يرون أن الاتفاق ينطوي على عدد غير قليل من الألغام.

تتضح الترجمة العملية
للاتفاق عبر مواقف رسمية
أو نتيجة تطور ميداني

مع ذلك، يبقى للمؤسسة الأمنية تقديراتها ومخاوفها، المتمحورة حول إمكانية نقل سيناريو «اللبننة» إلى قطاع غزة، بمعنى تحوّل الاتفاق إلى مظلّة لسلاح المقاومة. على هذه الخلفية، ما زال هناك العديد من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة عنها. ومما يلحظونه في تل أبيب، كما لفت معلق الشؤون الأمنية في موقع «واللا»، أمير بوحبوط، أنه إلى حدّ الآن «لم يقرر رئيس السلطة رفع العقوبات التي فرضها على حركة حماس في القطاع، ولا ما إن كان سيتم تفكيك أسلحة الجناح العسكري للحركة، وكيفية بناء الجهاز الأمني في القطاع». كما لم يتحدّد «كيف ستندمج حركة حماس، التي لا تعترف بإسرائيل وترفع راية الكفاح المسلح في سياسة نبذ العنف الذي تتبعه السلطة».
وينقل بوحبوط أن هناك عدداً غير قليل من الأسئلة التي تشغل المؤسسة الأمنية. في ضوء السياسة العملانية التي يتبعها الجيش، كيف سيرد على الصواريخ التي تطلق باتجاه إسرائيل، بعد اتفاق المصالحة وعودة السلطة إلى القطاع. هل سيستهدف بنى تحتية للسلطة في القطاع. ومن سيكون العنوان في مثل هذه الظروف؟
ماذا لو شخّصت الأجهزة الأمنية للسلطة مجموعة لحركة حماس في الضفة الغربية تريد تنفيذ عملية ما. هل ستبادر إلى اعتقالها؟ أم ستمارس ضبط النفس، والأمر نفسه ينسحب على النشاطات التي قد تشهدها الضفة رداً على تطورات سياسية، التظاهرات والاحتجاجات... ومع أن سيناريو امتناع أجهزة أمن السلطة عن اعتقال أي من المجموعات التي تخطط لتنفيذ عمليات ضد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، «يقدرون أنه في حال نتج فراغ بسبب امتناع أجهزة أمن السلطة عن ممارسة دورها، فإن ذلك سيرفع من منسوب الاحتكاك مع الشاباك والجيش».
أما بخصوص انتشار الأجهزة الأمنية للسلطة على الحدود والمعابر، بدلاً من رجال «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ماذا لو «تم تشخيص أنفاق هجومية يتم بناؤها باتجاه الأراضي الاسرائيلية، كيف سترد حماس في حال عمدت السلطة إلى ابلاغ إسرائيل عنها؟ وماذا لو حصل ردود متبادلة بين حماس وإسرائيل في ظل تواجد السلطة وأجهزتها على حدود القطاع».
في كل الأحوال، من المرجح أن تتضح الترجمة العملية لهذا الاتفاق، مع مرور الأيام، سواء عبر إعلان مواقف رسمية، أو نتيجة تطور ميداني يشكّل اختباراً لكل الأطراف. ومن غير المتوقع أن يكون أداء السلطة خارج إطار المتوقع منها كجهاز مسؤوليته الأولى حفظ أمن الجنود والمستوطنين، وهذه المرة مدعوماً بشعار جديد – قديم، أن الأجواء السياسية تتجه نحو إعادة تحريك المسار السياسي التسووي.