عمان | شكلياً تستمر الأزمة «الديبلوماسية» بين الأردن وإسرائيل إذا أُخذ بالاعتبار استمرار إقفال سفارة الأخيرة لدى الأولى بعد مغادرة بعثة السفارة كاملة إثر حادثة إطلاق نار في تموز الماضي أودت بحياة أردنيين اثنين بنيران حارس إسرائيلي يحمل صفة ديبلوماسية. بمجرّد الاقتراب من مبنى السفارة للاستفسار، سيخبرك رجال الأمن أن لا أحد موجوداً منذ نحو شهرين في المبنى الذي لا يزال يرتفع فوقه العلم الإسرائيلي، وأن لا معلومات أخرى لديهم.
لكن، على أرض الواقع، لا يزال التنسيق والعلاقات الثنائية مستمرة، خصوصاً باستمرار وجود السفير الأردني، وليد عبيدات، في تل أبيب، كذلك، بُعيد حادثة السفارة بأيام، أُعلن تمرين هو الأكبر من نوعه في المنطقة يُخطط لعقده في فلسطين المحتلة نهاية الشهر الجاري، على أن تشارك فيه كل من الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل (مع مشاركة دولية تتمثل في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وكرواتيا). التمرين المدعوم أوروبياً والمسمى Middle East Forest Fire يهدف إلى التدريب على «رفع فعالية التعاون من أجل السيطرة على الحرائق»، وذلك بعد موجة حرائق اجتاحت شمالي فلسطين العام الفائت.

ترجع إسرائيل «الأردنيين
الأجانب» وتطالبهم بتأشيرة
من سفارتها المغلقة!

أيضاً، لم يكن لحادثة السفارة أيّ أثر في الرحلات الجوية بين مطار الملكة علياء الدولي، ومطار بن غوريون (بواقع 12 رحلة أسبوعية عبر خطوط الملكية الأردنية)، كما أن حركة المسافرين والبضائع من خلال الحدود البرية لم تتأثر سواء على صعيد معبر الشيخ حسين ــ نهر الأردن المخصص لعبور الإسرائيليين والأجانب، أو معبر الكرامة ــ اللنبي المخصص لعبور الفلسطينيين والأجانب.
أمّا الرحلات التطبيعية إلى الأراضي المحتلّة التي تنظّمها مكاتب سياحة أردنية محلية، فاستمرت بالعمل متجاوزة عثرة إقفال السفارة الإسرائيلية لدى عمان، حيث كانت تقدم طلبات التأشيرات للأردنيين، إذ تستخرج لهم تأشيرات الدخول عبر وكيل لها في فلسطين ينسّق مباشرة مع الداخلية الإسرائيلية، علماً بأن الإسرائيليين يحصلون على تأشيرة الدخول إلى الأردن مباشرة على المعابر الحدودية من دون فحص أمني سابق.
مع ذلك، تمارس إسرائيل ضغوطات وتضييقيات يتعرّض لها بصورة عشوائية وانتقائية الرعايا الأردنيون ممن يحملون جوازات السفر من جنسيات أخرى تسمح لهم بدخول فلسطين المحتلة، كما أنهم يحملون بطاقة إحصاءات «الجسور الخضراء» التي تصرف للمواطنين الفلسطينيين المقيمين ضمن مناطق السلطة الفلسطينية وللأردنيين الحاصلين على «لم شمل» جديد.
وهذه الفئة (الأردنيون الأجانب) اعتادت دخول فلسطين باستخدام جواز سفرها الأجنبي، لكن منذ حادثة السفارة تغيّرت طريقة التعامل معهم، إذ تحوّلهم سلطات الاحتلال جبراً لدخول معبر الكرامة ــ اللنبي (المخصص للفلسطينيين) حتى لو أرادوا الدخول من معبر الشيخ حسين ــ نهر الأردن، ثم بعد انتظار لساعات يخبرون المسافر أنه أردني، ويجب أن يحصل على تأشيرة دخول من السفارة الإسرائيلية التي هي مغلقة، وفي النتيجة يرفض دخولهم.
«التحايل» على المسافرين يقودهم، في النتيجة، إلى قصد السفارة، التي توهمهم سلطات الاحتلال أن ثمة مكتباً قنصلياً لا يزال يعمل فيها، لكنهم عندما يصلونها يجدونها مقفلة ولا وسيلة للتواصل معها، كما أن سفارات الدول الأجنبية التي يحملون جوازاتها لا تعرف كيف تحلّ المشكلة، بل يقترحون عليهم تجديد جوازاتهم في أحسن الأحوال.
وبمراجعة وزارتي الخارجية والداخلية الأردنية، فلا جواب قطعياً لديهما عن مغزى الإجراء الجديد سوى أنها «وسيلة للضغط والتضييق.... ولا معلومات رسمية بخصوصه». ووفق مصادر في الوزارتين، فإنه إذا أراد المسافر حمل جنسية واحدة واختار الأجنبية، فعليه التنازل عن جواز السفر الأردني، لكن هذا لا يضمن حصوله على تأشيرة من إسرائيل، لأن موظف المعبر الإسرائيلي سيحسب زيارته تحت بند التضامن مع الفلسطينيين، أو كزيارة طويلة المدى هي مرفوضة، لأن الأجانب يُمنحون مدة محددة لزيارة فلسطين، بل في حال تجاوز هذه المدة يمنعون من الدخول مرة أخرى لمدة قد تصل إلى خمس سنوات.
كذلك، إن التنازل عن جواز السفر الأردني المؤقت لهذه الفئة تحديداً يعني بالضرورة خسارة بطاقة إحصاءات «الجسور الخضراء»، وهي إثبات للوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 بالنسبة إلى هذه الفئة. أما السفارة الفلسطينية لدى عمان، فهي غير مخوّلة إصدار أي نوع من التأشيرات لدخول الضفة المحتلة، وينحصر دورها في التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لإصدار تصريحات دخول لبعض الشخصيات (عادة ما تكون ثقافية وفنية) من أجل المشاركة في فعاليات معينة داخل أراضي السلطة فقط. يأتي هذا التضييق في وقت لم تحل فيه أزمة السفارة، إذ إن عمان تحافظ على «البروتوكلات الديبلوماسية» مع إسرائيل إلى أبعد حدود، إذ لم تبذل أي محاولة لوقف الحارس المسؤول عن عملية القتل، كما أن تل أبيب لم تستجب لطلب الحكومة الأردنية فتح تحقيق في الجريمة. وحالياً ترفض المملكة عودة طاقم السفارة ما لم يتحقق هذا الشرط، وهو الأمر الذي أكده الملك عبد الله الثاني خلال اجتماعه مع ممثلين عن منظمات يهودية أميركية في زيارته الأخيرة إلى نيويورك في أيلول الماضي، لكن ذلك لم يتطور إلى مرحلة من قطع العلاقات، بل كان «تخريجة» شبه متوافق عليها لحل الأزمة.
ومع اقتراب الذكرى الثالثة والعشرين لتوقيع اتفاقية التسوية بين البلدين المعروفة باسم «معاهدة وادي عربة»، فإنها على مدار تلك السنوات حافظت على استقرارها رغم بعض التوتر في مراحل معينة. وحتى مع وجود بوادر تطبيعية علنية أبدتها بعض الدول العربية تجاه إسرائيل، فإن الأخيرة لا تكفّ عن اعتبار علاقاتها مع الجانب الأردني «أولوية»، خاصة أن المملكة التي لها أطول حدود مع فلسطين لم تُسجل فيها حوادث أمنية أو خروق على مدار سنوات.