واقع الجامعة اللبنانية هو من أشد الأمور التباساً ومراوحة، بين تصوّرات نمطية مسبقة لم تلحظ تأثير التغييرات التي طرأت، وبين واقع مترد في بعض كلياتها. وفي الأصل، جاء تأسيس الجامعة اللبنانية متأخراً بـ 80 سنة عن سابقاتها من الجامعات العريقة في لبنان التي تأسست في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كالجامعة الأمريكية في بيروت ولاحقاً جامعة القديس يوسف. جاء التأسيس تحت تأثير ضغط الحركة المطلبية الطالبية السياسية النقابية. كانت الجامعة في بدايتها عبارة عن «معهد عالي لإعداد المعلمين»، ثم تحولت إلى كلية تربية. الكليات الأخرى ظهرت تدريجياً.
دخول القوى السياسية على الخط خلال الحرب الأهلية جعل الجامعة اللبنانية جزءاً من الجبنة التي تتقاسمها الأحزاب وقوى السلطة. لم تستطع الجامعة أن تفرض استقلاليتها عن التجاذابات السياسية. وبالتالي صار تفرغ الأساتذة في هذا الجهاز الأكاديمي خاضعاً لحسابات سياسية وليست أكاديمية. وهكذا فإن أزمة الجامعة اللبنانية جزء من أزمة النظام اللبناني ككل. هذا على صعيد الأساتذة فما هو الحال على صعيد الطلاب؟
اليوم تشهد الجامعات الخاصة انتخابات للمجالس الطالبية، هي انتخابات دورية سنوية. أما في الجامعة اللبنانية فإن آخر انتخابات للطلاب جرت عام 2008 والمجالس الطالبية الحزبية تمدد لنفسها تحت ذرائع شتى تبقيها المسيطرة. ونجاحها هي الأخرى لا يكون على أساس تقدم الجامعة على الصعيد الأكاديمي بل على أساس ما حققته من اختراق بمواقع الجامعة وما حصّلته من مراكز ومسؤوليات.
في النهاية هذه هي الجامعة الوطنية التي تعني الجميع. والجامعة في خطر، إذ تضاعف أخيراً حجم الاختراق السياسي والحزبي. هنا، شهادات من أساتذة في الجامعة، يتحدّثون عن «لعبة التجاذبات السياسية» وأثرها على الحياة الأكاديمية.




عبد الغني عماد


كانت الحركة الطالبية مفخرة لبنان ولا يوجد إنجاز من الإنجازات التاريخية إلا بضغط منها؛ فالحركة الطالبية رافقت انشاء الجامعة منذ البدايات وضغطت من أجل إنشاء كليات تطبيقية وعملت على تحصين حقوق الطلاب واستقلال الجامعة عن هيمنة الطبقة السياسية وكانت «الدينامو» للحركة السياسية المطلبية في لبنان ككل.
مع الأسف تراجعت الحركة الطالبية وتم اضعافها خلال الحرب. ثم جرى تفريع الجامعة اللبنانية، فأنشأت كل محافظة فرعاً وهذا عطّل قنوات التفاعل والتواصل بين الطلاب من المذاهب المختلفة. وهكذا فإن الأداة الطالبية النقابية كبقية الأدوات النقابية دجنت وروّضت لصالح القوى السياسية المتحاصصة في السلطة تعطلت الانتخابات وغابت الديموقراطية وخضعت مصلحة الطلاب لمنطق التحالفات السياسية لا لمصالح الطلاب.
اليوم لا نرى مجالس طالبية بل مجالس حزبية تتنازع الشرعية ويمددون لبعضهم البعض بينما القوى الطالبية في السابق كان يتشارك فيها فعاليات من حزبيين وغير حزبيين من الذين لديهم استعداد للعمل النقابي. اليوم يحتاج «الاتحاد العام للطلاب في الجامعة اللبنانية» لتعديل نظامه وأن تتحول الانتخابات الطالبية إلى جزء من ثقافة ديموقراطية عند الطلاب تولد تقاليد للعمل الديموقراطي جراء الممارسة وتساعد على الفرز بين السياسة والأكاديميا وبهذا فقط سيتعاطى الطلاب الحزبيين أنفسهم كطلاب أكادميين ويضطرون إلى احترام القاعدة الطالبية حتى يحصلوا على أصواتها في انتخابات مقبلة.
أما الاحتجاج بتعطيل الانتخابات، بحجة أنها تثير المشاكل يؤدي أن الجيل الجديد لا يكوّن ثقافة ديموقراطية داخل الحرم الجامعي. نعم قد يتخلل العملية مشاكل ولكن مع الوقت سيعتاد الطلاب هذه الثقافة. شخصياً لا أراهن على الأحزاب لأنها طائفية كلها، وتنطلق من قواعد طائفية. أراهن على الشباب في الجامعة من أجل الضغط كي تجري الانتخابات دورياً.

نهوند القادري


في السابق قدّمت الأحزاب إسهامات كبيرة في إنشاء الجامعة اللبنانية وتطويرها لكن
المشكلة اليوم هي أن العمل الحزبي نفسه تراجع. وصارت الجامعة اللبنانية رهينة للسلطة السياسية منذ الحرب.
هناك بعض القوانين التي ترعى العمل الجامعي بقيت صامدة إلى حد بفضل مبادرات فردية لبعض الأساتذة ممن حموا صورة الجامعة ولكن إلى أي حد ستصمد المبادرة الفردية في ظل الفوضى التي نحيا بها؟
في الجامعة لم يتم العمل على آلية أكاديمية علمية لتفعيلها وجعل انتاجيتها نوعية. نادراً ما تم العمل على ورش للتفكر حول التعليم الجامعي ومعناه. حتى معنى الأستاذ الجامعي اليوم غير مدقق به، الأستاذ الجامعي ليس أستاذ تعليم ثانوي، فوظيفته أن يفعل قدرات الطالب ويساعده على البحث والتشكيك والسؤال وهذا مفقود.
لقد تم إعادة تفعيل مراكز الأبحاث منذ سنتين في الجامعة اللبنانية ولكنها لا تزال بدون موازنة وبدون آلية عمل في حين أن مراكز الأبحاث هي التي تؤهل الطلاب ليكونوا مشاريع باحثين في المستقبل. ومادامت الجامعة تهمش هذه المسألة لن تستمر بإنتاجية حقة تقدمها للمجتمع من خلال تخريج ناس يفكروا ويبادروا لأن التعليم بدون بحث عقيم.
الأحزاب ليست حجة في عدم الاضطلاع بهذه المهام، فحتى الأساتذة الذين يأتون إلى الجامعة من خلال الأحزاب وأغلب من دخل الجامعة سانده أحدهم للدخول إلى الجامعة فهذا هو النظام اللبناني هم أساتذة ولا أريد التشكيك بقدراتهم ولكن الحزب لا يمكن أن يجعل منا أساتذة فعليين وباحثين لذا على كل أستاذ أن يعمل على تطوير أدائه وهو مسؤول عن تحديث معلوماته.


نايلة أبي نادر


عدم وجود انتخابات هو علامة غير صحيّة، وحدوث شغب ليس حجة كافية لإيقاف العمل الديموقراطي. كنت طالبة في الجامعة اللبنانية في عز الحرب وتصارع المليشيات، ولكن الانتخابات كانت تجري كل سنتين بدون ولا ضربة كف اليوم لا يوجد حرب ورغم ذلك توقفت الانتخابات. من غير المقبول أن يظل المرء «ستاسيكو» من 2008 إلى اليوم، الدنيا في حراك دائم، ولنفترض أن حزباً معيناً يسيطر على جامعة، فحتى في هذا الحزب ذاته هناك حراك ولا بد أن يفرز قيادات طالبية جديدة. ومن موقع الدراية أنقل احتجاج الطلاب على غياب العمل الديموقراطي في الجامعة. طبعاً لا أريد ربط شذوذ السلوك بالأحزاب، فكما أن بين المستقلين أناس جديّون كذلك لدى الحزيين جديين ويسعون لرفع مستوى الشهادة والعكس موجود. مسؤولية الهيئة التعليمية في الجامعة من العميد والمدير والأساتذة العمل على تأمين مناخ استشاري للطلاب لخلق الوعي بأهمية العمل الديموقراطي.
بخصوص تفريع الجامعة أرى أنه غير مخيف، نحن في الفنار لدينا طلاب من طوائف متعددة والجميع منتسبين للهيئة الطالبية وفاعلين، فلا قلق عندما أوحد المناهج على أساس التنشئة على المواطنة. التفريع لا يعني التقسيم ولا يعني إبعاد الشعب اللبناني عن بعضه هو مزيد من التنظيم ومساهمة في الإنماء المتوازن ويحفز على المنافسة خدمة لجودة التعليم.


هيثم قطب


الجامعة يجب أن تكون المكان الذي يعلم الطلاب على ممارسة الديموقراطية من خلال إجراء انتخابات مجالس طالبية ولكن حالياً مع الأسف الانتخابات مُعطّلة. الطلاب اليوم يعكسون صورة الأحزاب التي ينتمون لها، ويفسر ذلك أحياناً أن الضغط الذي نراه في الشارع يترجم بين بعضهم البعض.
من المفروض أن تتمثل كل الأحزاب عندما تجري الانتخابات لكن الواقع أن الحزب الممثل للأكثرية يسيطر على كل شيء فليس هناك مفهوم المشاركة وإنما مفهوم الهيمنة. نتأمل أن تكون الجامعة اللبنانية مكاناً للتربية على الديموقراطية والحوار وأن تبقى بمنأى عن التجاذبات السياسية.
في كلية التربية أغلبية طلابنا من الإناث لذا لا يوجد أنشطة حزبية ولا يوجد هذا التشنج الذي نراه في كليات أخرى علماً أنه لدينا من كل الملل والطوائف. ولا نلاحظ في الكلية بين الأساتذة والطلاب أي تمييز على أساس الانتساب لطائفة أو حزب.