بين خطوات التصعيد ومساعي الاستيعاب، تراوح بغداد ــ حتى الآن ــ مكانها في معالجة أزمتها المستجدة مع أربيل، عقب إجراء الأخيرة استفتاءً للانفصال عن العراق، الشهر الماضي. فالحديث عن خطواتٍ تصعيدية، والتي يذهب بعضها إلى حدّ وقوع مواجهةٍ مسلحةٍ بين القوات العراقية من جهة، وقوات «البشمركة» من جهة أخرى، في المناطق المتنازع عليها، يرتبط بشكلٍ مباشر في سياق التنسيق الثلاثي بين بغداد وطهران وأنقرة، باعتبار أن أي مواجهةٍ محتملة بحاجةٍ إلى غطاءٍ إقليمي يؤمنه «جيران الإقليم».
هذا التنسيق، الذي يسلك مساراً تصاعدياً بشكلٍ يومي ــ ما كان ليحدث لولا خطوة رئيس «الإقليم» مسعود البرزاني الانفصالية، سيكون أمام مرحلة مفصلية، في الأيام المقبلة، مع تسريبٍ لصحيفة «الصباح» الحكومية، يؤكّد أن اجتماعاً ثلاثياً مرتقباً ستشهده العاصمة العراقية بغداد».
ولمواجهة الاستفتاء، تداعى «جيران الإقليم» إلى قمّة عاجلة تجمع الرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على أن يكون بندها الرئيسي «مواجهة الاستفتاء». هذه القمّة، التي تؤكّد مصادر مطلعة في حديثها إلى «الأخبار» انعقادها في بغداد في الأيام المقبلة، يُنتظر في بيانها الختامي حُزمة من القرارات الرادعة للبرزاني، إلا أن عدداً من المطلعين على الواقع العراقي، يؤكّدون أن العبادي ــ حتى الآن، «يناور في منطقةٍ ميتة»، بحيث لم يتخذ أي خطوة حاسمة في سياق ضرب مشروع البرزاني، مكتفياً بـ«شعاراتٍ رنّانة تخرج بها حكومته كمحاولة لتخدير الشارع المنتظر لأي خطوةٍ توقف البرزاني عند حدّه».

معركة غربي الأنبار ستكون آخر مواجهات العراق ضد «داعش»

ويبدو أن حكومة العبادي عاجزة حتى الآن عن تنفيذ أي خطوةٍ «موجعةٍ» لأربيل، عدا عن الحظر الجوي والبرّي الساري حالياً، وأعلنت أمس، عقب اجتماع «المجلس الوزاري للأمن الوطني» عن سلسلة إجراءاتٍ «عقابية» ضد حكومة إقليم كردستان، أبرزها إصدار «قرار بأن تكون شبكات الاتصالات الخلوية في الإقليم تحت سلطة الحكومة الاتحادية، ونقلها الى بغداد»، من دون أن تحدّد آلية تنفيذ هذا القرار، أو وضع سقفٍ زمني له حتّى.
وأضاف البيان الصادر عن الاجتماع أن المجلس تابع «رفع الدعاوى لملاحقة موظفي الدولة ضمن الإقليم، من الذين نفذوا إجراءات الاستفتاء المخالفة لقرارات المحكمة الاتحادية»، مشيراً إلى أن «المجلس يتابع أيضاً، الإجراءات التي تم اتخاذها من قِبل فريق استرداد الأموال العراقية بمتابعة حسابات الإقليم، وحسابات مسؤوليه، ممن تُودع أموال تصدير النفط في حساباتهم».
وأكّد البيان أن «الحكومة طلبت رسمياً ‪من إيران وتركيا التعامل مع الحكومة الاتحادية حصراً في ما يتعلق بالمنافذ الحدودية، وإغلاق جميع المنافذ مع هاتين الدولتين إلى حين تسلّم إدارتها من قبل الحكومة الاتحادية»، إلى جانب إيقاف «كل التعاملات التجارية، وخاصّةً التي تتعلق بتصدير النفط وبيعه، مع الإقليم، على أن يتم التعامل في هذا الملف مع الحكومة الاتحادية حصراً». ويقابل التهويلات البغدادية برود كردي، ودعوات البرزاني إلى ضرورة حل الأزمة عن طريق الحوار، إذ أعرب أمس، عن «جاهزية أربيل لإطلاق حوار مع بغداد بأجنداتٍ مفتوحة ومن دون شروط مسبقة»، مشدّداً على «ضرورة منح الوقت الكافي لذلك.
تراجع البرزاني، قد يوحي بأنه بدأ بمراجعة حساباته، إلا أن معطيات عددٍ من السياسيين العراقيين تشير الى أن الرجل يعمل على «استيعاب فورة بغداد، بعدما حقّق هدفه بإجراء الاستفتاء ملوّحاً بعصا الانفصال ساعة ما يشاء». وقال البرزاني خلال استقباله وفداً من «الاتحاد الأوروبي» برئاسة سفيره الجديد لدى العراق رامون بليكو، إن «الحوار وحده قد يحل المشاكل القائمة بين أربيل وبغداد»، واصفاً الاستفتاء بأنه «تعبير عن إرادة الشعب».
خيار الحوار، الذي يرفضه العبادي ما لم يُلغَ الاستفتاء، يبدو أن بعض السياسيين يعملون على تعبيده، وذلك بتأكيد رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، العائد من لقاء البرزاني، لافتاً إلى أن «نتائج إيجابية تتعلق بزيارته للإقليم ستكشف قريباً». وأضاف «سنكشف لكم قريباً عن النتائج الإيجابية عن كل التفاصيل، لكني أريدكم أن تطمئنوا الى أنه لا مساومة مطلقاً على وحدة العراق مهما حدث»، متابعاً «سنحصد نتائج هذا الحوار عما قريب بطريقة تجنبنا الاحتراب الداخلي، وتضعنا على جادة الحل الناجز».
أما مواقف الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، النارية، فإنها انعكاسٌ لتوجهات «الحرس الثوري» الإيراني في معالجة أزمة كردستان، إذ أكّد رفض «العصائب» القاطع للاستفتاء، مؤكّداً أن «الحشد لن يمنعه أحد من دخول أي منطقة عراقية، وسيأتي يوم قريب يدخل كركوك مع الجيش والمناطق المتنازع عليها». ودافع الخزعلي عن حق الحكومة المركزية في إرسال قوات عسكرية إلى المناطق المتنازع عليها، مبيناً أن «من حق الحكومة الاتحادية نشر قواتها بحسب الدستور، وأي قوّةٍ تقف في وجه القوات العراقية تواجه بالضرب».
ميدانياً، ومع استكمال القوات الأمنية العراقية و«الحشد» عمليات «تطهير قضاء الحويجة»، تمهيداً لعودة النازحين إليها، فإن الوجهة المقبلة للقوات ستكون الصحراء الغربية والشريط الحدودي مع سوريا، على أن تكون «المعركة النهائية»، بوصف القيادي في قوات «الحشد» والمتحدث باسم «العصائب» جواد الطليباوي.
وقال الطليباوي في حديث صحافي إن «قوات الحشد الشعبي، وبعد تحريرها مع القوات الأمنية لقضاء الحويجة من سيطرة داعش بشكلٍ كامل، ستتّجه إلى قضاء القائم، غربي الأنبار والشريط الحدودي مع سوريا»، معتبراً أن «معركة غرب الأنبار هي آخر المعارك ضد داعش، ليكون بعدها العراق خالياً من التنظيم تماماً».
(الأخبار)