افتتحت «الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية» موسم 2017/2018 الأسبوع الماضي بأمسية جيّدة قادها المايسترو هاروت فازليان وسبقتها كلمة لرئيس الكونسرفتوار بالتكليف وليد مسلِّم وأخرى لوزير الثقافة غطاس خوري. إنطلق برنامج الافتتاح مع القصيدة السمفونية «الصياد الملعون» لسيزار فرانك، تلاها كونشرتو الديدجيريدو والأوركسترا للأوسترالي المعاصر شون أوبويْل، بمشاركة عازف هذه الآلة اللبناني نسيب بو شبل (الذي لم يُذكر اسمه في الدعوة الرسمية!).
ثم ختاماً مع رائعة تشايكوفسكي «فرانشيكا دا ريميني»، القصيدة السمفونية التي رافقها عرض مادة بصرية في خلفية «كنيسة القديس يوسف» (مونو/ الأشرفية) تساعد على فهم مسارها الموسيقي المستند إلى مغامرات العاشقة الإيطالية من القرون الوسطى (خلّدها دانتيه في تحفته الأدبية «الكوميديا الإلهية»). هذه «الحيلة» لا يحبّذها إطلاقاً جمهور الموسيقى الكلاسيكية المحترف، لكن لا ضير في ذلك متى شكّلت هذه الفئة نسبة شبه معدومة من الحضور في هذا النوع من الأمسيات في لبنان. بالتالي، هي ضرورية أحياناً لمساعدة المستمع العادي على الولوج إلى جوهر العمل الموسيقي بغية استيعابه صوتياً والاستمتاع به فنّياً. في هذا السياق، نسجّل ملاحظة سلبية على هذا الجانب، إذ بالغ القيّمون على الأمسية في توظيفه، لينتقل في ختام المقطوعة من الاعتماد على المادة البصرية (صور للوحات ومقتطفات أدبية ذات صلة) إلى المؤثرات الضوئية والمبالغة في التعبير الجسدي (من جانب القائد) لتظهير الختام الرهيب لهذه المقطوعة (وكأن الموسيقى وحدها لا تكفي للقيام بهذه المهمة!). لكن، على أيّ حال، باستثناء بعض الأخطاء الطفيفة التي تحصل في أحسن الأوركسترات في العالم (دخول خاطئ لأحد عازفي عائلة الكمان في عمل فرانك، مثلاً)، والضعف النسبي لعائلة الخشبيات في أداء ما يقع على عاتقها من مقطوعة تشايكوفسكي المتطلِّبة جداً، كانت أمسية جيّدة، أخذت فيها المقطوعات حقّها، واستمتعت الجمهور بالجانب «الغريب» من الأمسية، المتمثّل بكونشرتو الديدجيريدو، خاصّة أنه سهل التقبل وليس شديد الحداثة.
في المحطة الثانية التي يتوقّف عندها قطار الأوركسترا الوطنية، الموعد من المؤلف النمساوي غوستاف مالر (الصورة )، الذي نسمع من ريبرتواره المحدود (لناحية التنوّع الشكلي)، السمفونية الأولى المسمّاة Titan، وهي من أشهر أعماله شعبياً. خاصةَ أنها تحوي في حركتها ما قبل الأخيرة تنويعاً على لحن أغنية الأطفال الفرنسية الشهيرة، Frère Jacques بعد نقلها من نغمتها الفرِحة (F major) إلى نغمة جنائزية حزينة، وتحديداً تلك الرديفة، أي التي تقوم على المفتاح ذاته (D minor). يقود هذا العمل المايسترو ميشال خير الله، عازف الكمان الأول في الأوركسترا أساساً.
—————————————
«الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية»، أمسية في «كنيسة القديس يوسف» (مونو / الأشرفية) بقيادة ميشال خير الله. مساء اليوم (20:30) الدعوة عامّة.