قد يتمكّن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون من نيل رضى الجميع... إلا الرئيس دونالد ترامب. قد يخطو خطوة إلى الأمام في اتجاه إثبات نفسه كقائد لأوركسترا الدبلوماسية الأميركية، ثمّ يتدخّل ترامب لسحبه خطوات إلى الوراء. قد يستثمر في البحث عن ملفّ يُستضاف من خلاله في وسائل الإعلام على أنه رائد في السياسة الخارجية، ثمّ يتأبط ترامب هذا الملف، مبتعداً عنه ومستهجناً أي تصرّف يقوم به. وفوق كل ذلك، قد تُنقل عن لسانه عبارات، وتتردّد التقارير عن سعيه إلى الاستقالة، ثمّ يضطر إلى الخروج في مؤتمرات صحافية لنفيِها، ودحض كل ما يُتداول.
تيلرسون يحاول التأقلم في العمل السياسي؛ ها هو ينطلق، يحاول تسديد هدف... ولكن في محصّلة كل محاولاته يحقق نتيجة واحدة: يعاني، يتخبّط، ثمّ يعود إلى قواعده سالماً لا غانماً.
قبل أيام، استعر الإعلام الأميركي على خلفية تقرير نشرته شبكة «إن بي سي» ذكرت فيه أن تيلرسون هدّد بالاستقالة خلال الصيف، ووصف الرئيس دونالد ترامب بـ«الأحمق». خرج بعدها «حامل راية» الدبلوماسية الأميركية لينفي ما نُشر، أي على حدّ تعبير ديفيد إغناتيوس في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، قبّل وزير الخارجية خاتم الرئيس دونالد ترامب بطريقة رمزية، في تأكيد لرغبته في البقاء في وظيفته، على الرغم من التقارير التي تحدثت عن الخلاف بينه وبين البيت الأبيض.

تيلرسون لم يجد مكانه كتابعٍ لرئيس لا يمكن التنبّؤ بتصرفاته

«إلى أي مدى ستكون حركة الوفاء هذه ضامنة لوظيفته؟»، سؤال يتردّد في ذهن كل متابع، ويعبّر عنه إغناتيوس الذي يقول إن «رغبة تيلرسون في البقاء في وظيفته تشكل عامل استقرار، في وقت تتخبّط فيه الولايات المتحدة في مواجهات نووية مع كوريا الشمالية، وبينما يتجه ترامب إلى بكين في زيارة مهمة في تشرين الثاني».
ولكن بالحديث عن كوريا الشمالية، يجب الإشارة إلى أن آخر محاولات تيلرسون إثبات نفسه كقائد للدبلوماسية الأميركية كانت عبرها، وآخر إحراج تلقّاه من ترامب كان بسببها. لم يلبث أن أعلن، قبل أيام، عن قنوات للتفاوض معها بشأن الأزمة حول الملف النووي، حتى بدا أن ترامب كان يرابط وراء أول مفترق ليرد، كعادته في تغريدة عبر موقع «تويتر»، بأن تيلرسون يضيّع وقته، مُظهراً بذلك عدم التنسيق بين البيت الأبيض ووزير الخارجية.
وفيما يراهن البعض على أن تيلرسون لن يتمكن يوماً من إثبات نفسه كقائد للدبلوماسية الأميركية، يطرح إغناتيوس هذه النظرية بسؤال: «هل سيتمكن، بعد تحقير نفسه بهذه الطريقة، من البقاء ممثلاً فعّالاً وموثوقاً به للولايات المتحدة في الخارج؟».
إغناتيوس يجيب بالقول إن تيلرسون «أغضب ترامب عندما تحدث علناً عن القنوات الدبلوماسية مع كوريا الشمالية، في الوقت الذي كان يروّج فيه الرئيس الأميركي لمواجهته مع رجل الصواريخ الصغير»، أي للوصف الساخر الذي أطلقه على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وبحسب إغناتيوس، فإن ترامب كان غاضباً لأن تيلرسون لم يدرس تعليقاته مع البيت الأبيض.
صحيفة «نيويورك تايمز» كانت قد أشارت إلى أنه من أجل ردم الهوة بين بيونغ يانغ وواشنطن، «يجب على تيلرسون الذي لا يملك أي خبرة في المفاوضات الدبلوماسية، أو ما يتعلق بكوريا الشمالية بشكل خاص، أن ينافس ليس فقط الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ولكن أيضاً الرئيس الأميركي الذي يعكف على إصدار التهديدات المرتجلة».
ثم جاء ترامب ليجدّد ثقته التامة بوزير خارجيته، ويقول إن قصة شبكة «أن بي سي» الإخبارية عن عزم تيلرسون الاستقالة تمّ دحضها، وإن على الشبكة الاعتذار للأميركيين، مشيراً إلى نفي الوزير أيّ نية في الاستقالة. الرئيس الأميركي لم يتطرّق إلى الإحراج الذي غالباً ما يقابل به تيلرسون، إن كان في ما يتعلّق بالملف الكوري الشمالي، أو بالأزمة بين قطر والسعودية، حين حاول تيلرسون تهدئة الأجواء ثمّ خرج ترامب ليوتّرها من جديد، أو حتى للأزمة مع روسيا.
حتى إن غالبية وسائل الإعلام الأميركية، ومنها «نيويورك تايمز»، أشارت إلى أحد المفاصل الأساسية في الخلاف بين الرجلين، وهو أن مؤتمر تيلرسون الأخير يؤكد أمراً واحداً، أي «الخلافات مع ترامب». «نيويورك تايمز» توضح أن تيلرسون لم يجد أبداً مكانه كتابع لرئيس صعب، ولا يمكن التنبّؤ بتصرفاته، خصوصاً أنه «اعتاد أن يجري تقويض عمله»، كذلك أكد دانيال ديبيتريس في مجلة «ذي ناشيونال إنترست» أن تيلرسون يستحق بعض التعاطف. فبحسبه، عادة ما يكون عمل وزير الخارجية صعباً، ولكنه الآن بات أصعب بكثير، ذلك أنه يجب على الوزير أن يقدّم تقاريره لقائد أعلى للقوات المسلّحة، يستمتع في قول ما يدور في ذهنه في أيّ وقت.