من مدينة بنغازي، المقرّ الرمزي لـ«قائد الجيش الوطني الليبي» خليفة حفتر، واصل أمس مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة مشاوراته السياسية التي بدأها قبل أيام، في أعقاب انتهاء جولة أولى من الاجتماعات التي تستضيفها تونس بهدف إدخال تعديلات على اتفاق عام 2015 الموقّع في مدينة الصخيرات المغربية، والمعروف بـ«الاتفاق السياسي الليبي».
ووفق بيان لبعثة الأمم المتحدة، فقد أطلع سلامة «قائد الجيش» على نتائج اجتماعات «لجنة الصياغة الموحدة» التي جمعت للمرة الأولى مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة، وعلى الخطوات المقبلة، مضيفاً أنّ «حفتر أعرب عن دعمه لسلامة» ولخطة عمله.
وبالرغم من أنّ اجتماعات كهذه لا تلقى اهتماماً واسعاً في الشارع الليبي، فإنّ أهميتها تكمن في أنّها تُشكّل نقطة رئيسة في مساعي أيّ طرف بات يريد الدخول على خط الأزمة الليبية، نظراً إلى القوة المحلية التي راكمها خليفة حفتر على مدى نحو ثلاثة أعوام، إضافة إلى الدعم الإقليمي الذي يلقاه من قبل الإمارات ومصر.

تريد جماعة
حفتر الحفاظ على اتفاق الصخيرات لأنّه يمنحها الشرعية

وجدير بالذكر أنّه خلال الأسبوع الماضي، انطلقت في تونس جولات مفاوضات تعديل اتفاق الصخيرات (أو الاتفاق السياسي الليبي)، وذلك بعد أسبوع من إعلان المبعوث الأممي سلامة عن «خريطة طريق» لحلّ الأزمة تتضمن ثلاث مراحل عمل. وفي وقت كان فيه البعض يعتقد أنّ ليبيا متجهة لتخطّي اتفاق الصخيرات، فإنّ «خريطة سلامة» كشفت أنها تهدف إلى تعديل هذا الاتفاق، وعقد مؤتمر وطني يجمع الفرقاء السياسيين الذين لم يشاركوا في الحوارات السابقة، ثم إجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.
وبشأن عودة الحياة إلى اتفاق الصخيرات، يشير الباحث المتخصص في الشأن الليبي جلال حرشاوي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ هذا الاتفاق «بات على وشك أن ينتهي بالنسبة إلى عدد من الأطراف الكبيرة» المعنية بالأزمة الليبية، «وهذا ما يُسلّط ضغوطاً هائلة على المبعوث الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة الذي بدأ مهامه في حزيران الماضي». ويتابع حرشاوي الشرح قائلاً إنّ «مهمة سلامة الرئيسة تتمثل في تشكيل إطار عام حيوي، وبما أنه لا يمكن اليوم محاكاة اتفاق الصخيرات، لذا يجب أن يتم إنقاذه وأن يمدد في الشهرين المقبلين».
ومن المعروف أنّ أهم نقاشات التعديلات تدور حول المادة الثامنة من الأحكام الإضافية لاتفاق الصخيرات، خاصة أنّ من شأن هذه المادة أن تمسّ مباشرة بدور خليفة حفتر، إذ إنها تنص على «نقل كل صلاحيات المناصب الأمنية والعسكرية والمدنية إلى مجلس رئاسة وزراء حكومة الوفاق بعد توقيع الاتفاق مباشرة، على أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً بشأنها خلال مدة لا تتجاوز عشرين يوماً، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يقوم المجلس باتخاذ قرارات تعيينات جديدة خلال مدة ثلاثين يوماً».
وبينما سبق لعضو «مجلس الدولة» فتح الله السريري أنّ أصاب في شرح أساس المشكلة حين رأى أنّها تكمن في أنّ المادة الثامنة «قد تمت شخصنتها»، في إشارة إلى حفتر، فإنّ أستاذ العلوم السياسية في جامعة مصراتة، أحمد فلاق، يرجّح في حديث إلى «الأخبار» أنّه في الظرف الحالي لم يعُد الحديث عن قيادة حفتر للجيش، وبالتالي الاهتمام بتغيير هذه المادة، مبرراً أنّ ذلك «ناتج من تصريحات حفتر (بشأن) رئاسة الدولة. هذا ما قاله سابقاً للسفير البريطاني، وأكدته إيطاليا لحفتر نفسه بدعوتها إياه إلى ترك البدلة العسكرية والذهاب نحو الانتخابات».
وبينما يرى فلاق أنّ حفتر «شخصية مهمة في المشهد باعتباره يهيمن على مساحة كبيرة من الأراضي»، فإنّه يضع هدف لقاء سلامة به في إطار أنّ التعديلات على اتفاق الصخيرات «لن تنجح بعيداً عن موافقته». ولدى سؤال الأكاديمي الليبي عن إمكانية حلحلة تعقيدات المسار السياسي راهناً، فإنّه يجيب بالقول إنّ هذا المسار «صعب بالأساس، خاصة أن الرؤى لا تزال بعيدة بين الأطراف بصفة عامة». ويشرح أنّ «هناك أطرافاً لم تشارك في مشهد الوفاق السياسي الذي جرى التوصل إليه في المغرب عام 2015، وأيضاً هناك أطراف سياسية جديدة في المشهد، منها على سبيل المثال السيّد عبد الباسط اقطيط الذي كان قد خاطب الناس مباشرة مندّداً بالاتفاق السياسي، ومندّداً بالفشل الذي تتسبّب فيه كل الأطراف الموجودة». ويختتم فلاق حديثه بالتأكيد أنّ «المشهد يزداد تعقيداً بزيادة الأطراف وبفشل الأطراف الأولى التي لن تترك السلطة بسهولة».
في السياق، يؤكد جلال الحرشاوي، أثناء الحديث إلى «الأخبار»، أنّه «لا يرى في واقع الأمور أي سبب ملموس يجعلنا نعتقد أنّ القائد العسكري حفتر سوف يسلّم (السلطة) لأي أحد»، مشيراً إلى أنّ ما هو ممكن أن «تُشكّل الأمم المتحدة هيكلاً ضعيفاً يكون مقبولاً على الورق، في حين يمكنه من الناحية العملية أن يعزز مكانة حفتر قليلاً... إنّ جماعة حفتر تريد الحفاظ على اتفاق الصخيرات لأنّه يمنح الشرعية، وهذا بالضبط ما يبحث عنه حفتر».
ويستكمل حرشاوي حديثه لافتاً إلى أنّه «يجري الآن الحديث عن مجلس رئاسي مكوّن من ثلاثة أعضاء بدلاً من تسعة (كما هو حالياً)، ومن رئاسة وزراء مفصولة عن المجلس الرئاسي؛ بهيكلية كهذه يمكنك تصوّر صيغة يظهر من خلالها حفتر كأنّه على رأس القوات المسلحة فقط على الورق، ولا يكون في الواقع مضطراً إلى الخضوع لمحاسبة المدنيين»، خاتماً بالقول: «شخصياً أتوقع مسرحية من هذا النوع».