مع تزايد الطلب على الإنترنت والخدمات السحابية في أنحاء العالم، لا بد من تطوير البنية التحتية لشبكة الإنترنت لتكون قادرة على العمل بشكل سريع مع كمية بيانات هائلة. مستقبل البنية التحتية السحابية العالمية بات اليوم يمر على عمق أكثر من 17 ألف قدم تحت المحيط الأطلسي، في كابل بحري متطور يربط أميركا وأوروبا. وقد انتهى العمل فيه الأسبوع الفائت على أن يكون جاهزاً العام المقبل لتأمين الطلب المتزايد على سرعات الإنترنت العالية والاتصالات الموثوق بها للخدمات السحابية والخدمات المباشرة عبر الإنترنت.
«ماريا» (MAREA) هو مشروع مشترك بين «فايسبوك» و«مايكروسوفت» وشركة البنية التحتية العالمية للاتصالات السلكية واللاسلكية «تلكسيوس» التابعة لمزود الاتصالات «تيليفونيكا»، وهو الكابل البحري الأعلى قدرة الذي يعبر المحيط الأطلسي ليربط ولاية فيرجينيا بالساحل الشمالي لإسبانيا، ما يوفر نحو 160 تيرابت من البيانات في الثانية، أي أسرع 16 مليون مرة من متوسط اتصال الإنترنت المنزلي، مع القدرة على بث 71 مليون شريط فيديو عالي الدقة في وقت واحد. وتوفر نقطة هبوط «ماريا» في منطقة بلباو في إسبانيا مساراً مناسباً لمراكز الشبكات في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، وسيساعد عرض النطاق الهائل في تلبية الطلب المتزايد على الإنترنت والخدمات السحابية. يبلغ طول الكابل 6600 كيلومتر ويزن 4.65 مليون كيلوغرام، وقد تم وضعه عدة أميال جنوب نقاط الاتصال الحالية في القارتين ليساعد على الوقاية ضد الكوارث الطبيعية والأحداث الرئيسية الأخرى التي تعطل الاتصال عبر المحيط الأطلسي. بدأ بناء «ماريا» في آب عام 2016، إلا أن الفكرة انطلقت بعد إعصار «ساندي» الذي ضرب نيويورك ونيوجيرسي عام 2012 ما أدى إلى قطع كابلات الاتصال بين أميركا الشمالية وأوروبا لعدة أيام لأن معظم كابلات الاتصالات عبر الأطلسي موجودة في نيويورك ونيو جيرسي، وبالتالي كان لا بد من تنويع الاتصال بين الولايات المتحدة وأوروبا. بدأ الكابل رحلته عبر المحيط الأطلسي قبل نحو خمسة أشهر لينتهي العمل الأسبوع الفائت، وبذلك يكون استغرق العمل به من التصميم حتى انتهاء المدة أقل من عامين.

يُعد MAREA
الكابل البحري الأعلى قدرة الذي يعبر المحيط الأطلسي


صممت كل من «مايكروسوفت» و«فايسبوك» الكابل ليكون قابلاً للتشغيل المتبادل مع مجموعة متنوعة من معدات الشبكات. ومن خلال تصميم «مفتوح» جديد، يمكن أن تتطور الكابلات مع التكنولوجيا، وتضمن أعلى أداء للمستخدمين الحاليين والمستقبليين، حتى مع تزايد عدد مستخدمي الإنترنت في العالم.
تبرز أهمية «ماريا» في استيعاب حركة مرور البيانات الآخذة بالتزايد بشكل سريع، ويعلّق رافائيل أرانز، الرئيس التنفيذي للعمليات في «تيلكسيوس»، أن «كل التطبيقات، خصوصاً التي تعتمد على الفيديو، تستهلك قدراً كبيراً من عرض النطاق الترددي»، مثل «سكايب» و«فايسبوك لايف»، كذلك حجم تدفق الفيديو والأفلام والموسيقى المستهلكة يومياً، «لذلك يحتاج الجميع إلى أن يكون متصلاً مع بنية تحتية عالية الحجم، وعرض نطاق ترددي عال. وسيكون الخط قادراً على استيعاب وتسليم حركة البيانات ذهاباً وإياباً لتعزيز الاتصالات، ليس فقط عبر المحيط الأطلسي، ولكن في جميع أنحاء العالم». يقول براد سميث، رئيس «مايكروسوفت» إن هذا الكابل «يأتي في وقت حرج. فالكابلات البحرية في المحيط الأطلسي تحمل بالفعل بيانات أكثر بـ 55% من البيانات المحملة عبر المحيط الهادئ و40% أكثر من البيانات بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية. وليس هناك شك في أن الطلب على تدفق البيانات عبر المحيط الأطلسي سيستمر في الزيادة وستوفر ماريا اتصالاً حاسماً بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسبانيا وما بعدها».
وتقول «مايكروسوفت» في بيانها إن «ماريا» سيخدم ما أصبح طريقاً متزايد الأهمية لتدفق البيانات عبر الحدود بين الولايات المتحدة وأوروبا. ومن المتوقع أن تستمر تدفقات البيانات عبر المحيط الأطلسي في النمو إذ أن المزيد من المستهلكين يستخدمون الأجهزة الذكية النقالة للوصول إلى الإنترنت. وبحلول عام 2018، ستكون 93% من الأجهزة المحمولة في الولايات المتحدة الأميركية و83% من الأجهزة المحمولة في أوروبا الغربية أجهزة ذكية، وفقاً لدراسة أجرتها شركة «بروكينغز».
وستكون «تيلكسيوس» بمثابة مشغل الكابل وتقوم ببيع وتأجير سعات لمقدمي الخدمات الخارجية. أمّا «مايكروسوفت» و«فايسبوك» فستستخدمان الكابل لخدمة احتياجاتهما الخاصة، في حين لم تكشف «مايكروسوفت» عن مقدار استثمارها أو مقدار ما دفعه شركاؤها. هذا الأمر سيعطي «مايكروسوفت» و«فايسبوك» قدراً أكبر من السيطرة على مستقبلهما مما لو انضمّتا إلى مجموعة من مزودي خدمات الاتصالات. كما أنهما لن تحتاجا إلى تقاسم القدرات مع مقدمي خدمات الاتصالات الآخرين ما سيسمح لهما بنقل كميات هائلة من المعلومات بين العديد من مراكز البيانات ومحاور الشبكة التي تدعم خدماتهما على الإنترنت.
يمثّل بناء الكابل تحولاً مثيراً في ميزان القوى في صناعة الكابلات البحرية. ويلفت موقعData Center Knowledge أنّه تقليدياً تم تمويل الكابلات العابرة للقارات من قبل اتحادات شركات الاتصالات، التي تقوم ببيع سعة على هذه الأنظمة للعملاء مثل «فايسبوك» و«مايكروسوفت». وفي الآونة الأخيرة، دفع الطلب المتزايد على عرض النطاق الترددي العالمي أكبر العملاء للمشاركة في تمويل مشاريع البناء، التي تكلف مئات الملايين من الدولارات.