بعد تصعيد لافت من قبل دمشق وموسكو تجاه تقدم «قوات سوريا الديموقراطية» والقوات الخاصة الأميركية في محيط حقول النفط والغاز على الضفة الشرقية لنهر الفرات في الريف الشمالي الشرقي لدير الزور، انخفضت حدة التوتر بين الطرفين على الأرض. ولم يشهد يوم أمس احتكاكات عسكرية ولا غارات جوية أو قصفاً متبادلاً على طول خطوط التماس في محيط قرية خشام وقرب شركة غاز «كونيكو». وبدت تلك الجبهة كأنها مجمدة بقرار مسبق، في انتظار تفاهم روسي ــ أميركي يحدد نطاق سير العمليات العسكرية هناك، نظراً إلى حساسية تلك المنطقة وامتدادها نحو الشرق، وأهميتها الخاصة على مستقبل الإنتاج النفطي في سوريا.
ولم يمنع الهدوء الحذر كلا الطرفين من متابعة العمليات على جبهات «غير خلافية» في الوقت الحالي، حيث تقدمت «قسد» بدعم جوي أميركي على طول طريق دير الزور ــ الحسكة الرئيس، وصولاً إلى بلدة الصور على نهر الخابور. البلدة المهمة التي تتوسط وادي الخابور سوف تشكل نقطة مهمة لقوات «التحالف» لاستكمال السيطرة على كامل نقاط الوادي الممتدة شمالاً نحو مركدة والشدادي. وقد تشكل منطلقاً مهماً لأي عمليات جنوباً نحو ريف الميادين الشمالي، أو شرقاً نحو الحدود العراقية.
ومن جانبها، وسّعت وحدات الجيش وحلفاؤه سيطرتها في محيط قرية مراط على الضفة الشرقية للفرات، باتجاه بلدة حطلة. وقد يشير هذا التحرك إلى وجود نية للتقدم وإطباق الحصار على تنظيم «داعش» داخل أحياء مدينة دير الزور، عبر السيطرة على بلدة الحسينية ومحيطها، بالتوازي مع التقدم البطيء للجيش في حويجة صكر شرق المدينة. ورغم تماس مواقع الجيش في محيط حطلة مع «قسد»، غير أن من غير المرجّح حدوث توتر على هذه الجبهة، لا سيما أن المتحدث باسم «التحالف» ريان ديلون أكد مسبقاً عدم نية قواته التقدم إلى الضفة المقابلة لأحياء مدينة دير الزور.

انتقدت أنقرة
الغارات الروسية وستناقشها مع بوتين الذي يزورها غداً
وبدا لافتاً في الوقت نفسه إعلان وزارة الدفاع الروسية تفاصيل إتمام الجسر الرابط بين ضفتي الفرات في محيط بلدة المريعية، وقدرته على استيعاب نقل آليات مدرعة ودبابات وعربات مدفعية ومنصات صواريخ، وهو ما يحمل إشارة إلى الرغبة في توسيع العمليات البرية على الضفة الشرقية.
وفي انتظار ما ستفضي إليه التجاذبات الروسية ــ الأميركية على الضفة الشرقية للفرات، يتخذ تحرك الجيش في أقصى بادية دير الزور الجنوبية توجهاً مختلفاً، مع تنشيط محورين مهمين؛ أوّلهما شرقاً باتجاه محطة «T2» انطلاقاً من محيط منطقة الدويخيلة، والثاني شمالاً نحو فيضة ابن موينع التي تقع على رأس مثلث طرفاه الآخران مدينة الميادين وكباجب. وتهدف العملية هناك، وفق ما توضح مصادر عسكرية في حديثها إلى «الأخبار»، إلى «عزل محطة (T2) عن محيطها الممتد إلى مدن وبلدات حوض الفرات، وخصوصاً مدينة الميادين». وتشير تلك المصادر إلى أن التحرك على المحور الآخر و«السيطرة على فيضة ابن موينع ومحيطها، سوف يقطع خط إمداد رئيسياً عن المحطة، ويسهم في عزل مدينة الميادين عن محيطها»، مضيفاً أن توسّع الجيش هناك سوف «يفضي لاحقاً إلى محاصرة مسلحي «داعش» في جيب ممتد بين شرق السخنة وشمال حميمة وجنوب الشولة، قبل أن يتم الجيش تحريره».
الضغط باتجاه الميادين يعكس أهمية المدينة كأحد أقوى المراكز المتبقية لتنظيم «داعش»، بعد حصار أحياء مدينة دير الزور. وبدا ذلك في كثافة الغارات الجوية التي تطال يومياً مواقعه في الميادين وريفها القريب، من قبل الطائرات الأميركية والروسية على حدّ سواء. وتظهّر التنافس بين البلدين على استهداف مواقع التنظيم اليوم في قصف روسي بصواريخ مجنحة أمس، عبر قاذفات «TU 95» الاستراتيجية، لمواقع تابعة لتنظيم «داعش» في ريف دير الزور، وأخرى تعود لـ«جبهة النصرة» في ريف إدلب.
وجاء الاستهداف الجوي بعد يوم واحد على تشكيك روسي واضح في نيّات وأهداف الحرب الأميركية ضد الإرهاب في سوريا. وبدا واضحاً في بيان وزارة الدفاع الروسية أن طبيعة الاستهدافات وآلية تنفيذها تحمل رسائل إلى الجانب الأميركي، إذ شدد البيان على أن «جميع الأهداف التي تم استهدافها بعيدة عن المناطق المأهولة بالمدنيين، وكذا عن مقرات القوات الخاصة الأميركية ومسلحي «قوات سوريا الديموقراطية» الواقعة داخل مناطق سيطرة «داعش»»، مذكّراً بأن الامتناع عن ذكر إحداثيات هذه المواقع ينطلق من «الحرص على ضمان أمن عناصر القوات الأميركية وحلفائها».
وبعيداً عن جبهات الشرق، ترتفع حرارة محاور التماس في محيط إدلب وريفي حماة واللاذقية الشماليين، مع تصاعد حدة الاستهدافات الجوية التي ينفذها سلاح الجو الروسي هناك. وشهد يوم أمس قصفاً مكثفاً على عدد كبير من قرى جبل الزاوية وجسر الشغور في ريف إدلب، إلى جانب قرية اللطامنة ومحيطها في ريف حماة الشمالي، بالتوازي مع استهدافات طالت شريط قرى ريف اللاذقية الشمالي الشرقي المحاذية لريف جسر الشغور. واستجلب القصف الروسي موقف استنكار علني من قبل أنقرة، التي تعدّ شريكة موسكو في اتفاق «تخفيف التصعيد» الخاص بمنطقة إدلب، إذ انتقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو «مقتل مدنيين ومقاتلين معتدلين» من المعارضة جراء القصف الروسي، موضحاً أن بلاده سوف تطرح هذا الأمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يزورها هذا الأسبوع. بدورها، نفت وزارة الدفاع الروسية ما تردد عن أن غاراتها تسبّبت في مقتل مدنيين في محافظة إدلب، معتبرة أن المواقع المستهدفة «كانت قواعد لمتشددين، ومخازن ذخيرة وعربات مدرعة وأنظمة صاروخية ومعامل لتجهيز سيارات خاصة بالجهاديين، وتقع على مسافة بعيدة عن المناطق السكنية». وأشارت إلى أن تلك المواقع استخدمت في هجوم الأسبوع الماضي الذي تسبّب في حصار 29 فرداً من الشرطة العسكرية الروسية، قبل أن يتم إخراجهم بعملية خاصة مدعومة بغطاء جوي.
(الأخبار)