أعاد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح البوصلة في الاتجاه الذي يخدم المصلحة الوطنية ويعزز صمود الجبهة الداخلية. وفي الكلمة التي ألقاها أول من أمس عشية عيد الثورة اليمنية في 26 أيلول (وهي الذكرى الـ55 لقيام النظام الجمهوري)، جدّد اللاءات الوطنية لما ينتقص السيادة الوطنية ويضعف الموقف السياسي في مواجهة العدوان، وهي:ــ رفض الاعتراف بقرار مجلس الأمن 2216 ووصفه بقرار الحرب على اليمن.

ــ رفض مخرجات الحوار التي قسمت اليمن وجزأته إلى «أقاليم مرفوضة وغير معترف بها».
ــ التراجع عن الموافقة على المبادرة الخليجية، مع العلم أن صالح وحزبه كانا من الموافقين عليها والمرحبين بها، وقد برر رفضه بأنها تؤدي إلى تقسيم اليمن إلى أقاليم.
يأتي تراجع صالح عن المبادرة بعد أن ثبت أن دول الخليج، ولا سيما السعودية، مصرّة على إقصائه وأسرته، مع الإشارة إلى أن المبادرة الخليجية ضمنت دوراً فعالاً لأسرته في مستقبل اليمن، وأعطته شخصياً امتيازات دستورية وأممية. واللافت أن صالح اتهم الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي بعرقلتها، ومن ورائه «القوى الرجعية الإمبريالية الأميركية البريطانية الصهيونية لمحاربة اليمن».
في مقابل رفضه الخريطة السياسية الخليجية، دعا صالح إلى وحدة الصف الوطني وتعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان، بل ذكّر بالأطماع السعودية التاريخية في الأراضي اليمنية، معدداً الحروب التي شنّتها الرياض على الشعب اليمني قبل عام 1934 وبعده، وتدخّلها طرفاً في حرب 1962 التي استمرت سبع سنين، رابطاً بين تلك الحروب والعدوان الحالي الذي «هو ليس ضد فئة أو مكون سياسي، بل على الشعب اليمني بأكمله». يأتي خطاب الرئيس السابق بعد مضي شهر على الأزمة السياسية التي عصفت بجناحَي الحكم في صنعاء: حزب «المؤتمر الشعبي العام» وحركة «أنصار الله»، التي وضعت الطرفين على مفترق طرق كاد يطيح الوحدة الوطنية ويحدث خللاً بنيوياً في الجبهة الداخلية. وقبل وصول لعبة شد الحبال بينهما إلى الهاوية، تداركت قيادتا الحركة والحزب خطورة الانزلاق إلى الهاوية، فسارعتا إلى تفعيل العديد من الإجراءات واللقاءات والبرامج المشتركة، التي توجت باللقاء بين قائد «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي، والرئيس السابق صالح، عبر دائرة تلفزيونية «اتصال فيديو مغلق» في منتصف الشهر الجاري، حيث بحثا فيه الخلافات والتحديات التي تواجه الحليفين.
الاتصال الأول بين الرجلين وجهاً لوجه انعكس إيجاباً على المستويات القيادية المختلفة للطرفين، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب الراحة والاطمئنان لدى القاعدة الجماهيرية التي تشكّل الدعامة الرئيسية في صمود الجبهة الداخلية وتلاحمها.
أيضاً، يتحدث طرفا الحكم في صنعاء عن أن الأزمة السياسية بينهما في الشهر الفائت أصبحت من الماضي، ويمكن القول إن الطرفين نجحا في تفويت الفرصة على المصطادين في الماء العكر، والمتربصين بهما، والاستعصاء على ما اصطلح على تسميته الطابور الخامس.
مقابل ذلك، عادت الماكينة الإعلامية التابعة للدول المشاركة في العدوان على اليمن إلى سابق عهدها بالتوصيفات والاصطلاحات والنعوت والتهجم على صالح وحزبه كما كانت قبل بدء الأزمة، في مؤشر واضح على فشل عملية الإغراء التي قدمت إليه.
ومن المفيد التنبيه إلى أن زعيم «المؤتمر» أدرك أن الشرك الذي نصب له ما هو إلا أفكار إماراتية لن ترقى إلى مستوى مبادرة سياسية مكتملة الأوصاف حتى على مستوى قبول حزبه أو أسرته في قلب النظام المقبل، بالإضافة إلى أن تلك الأفكار لم تحظَ بموافقة القوى الإقليمية والدولية، وأن الغاية منها هو الانزلاق إلى الفتنة الداخلية ونقل المعركة من حرب خارجية إلى حرب أهلية داخل البلاد.
لجوء صالح، وكذلك «المؤتمر الشعبي العام» إلى خطاب التعبئة العامة للتصدي للعدوان وتعزيز الجبهة الداخلية وإغلاق الآذان على أي مبادرة تنتقص السيادة الوطنية ولا تلبي الشروط السياسية التي وضعتها صنعاء منذ اليوم الأول للعدوان، وكذلك البحث مع شريكهم («أنصار الله») في حكومة صنعاء على تفاهمات وطنية وسياسية لتعزيز الصمود والاستعداد لاستمرار مواجهة العدوان مهما كانت الكلفة، ما هو إلا اقتناع بأن صالح وحزبه أدركوا عقم الخيارات السياسية المقدمة من دول «التحالف»، وأن المسار التفاوضي لا يزال موصداً، كذلك فإن دول الخليج المشاركة في العدوان على اليمن ماضية في ذلك، وأهدافها لم تتغير منذ بدء العدوان، وهي لن تنهي الحرب إلا بتمزيق البلد إلى دويلات متقاتلة، لإقتناع قادة تلك الدول بأن رفاهيتهم وبقاءهم في السلطة لا يقومان إلا على ذلك.