بغداد | «لا تكن كالكردي عنيداً عندما يقول لا»؛ مثلٌ شعبي يتداوله العراقيون منذ سنوات طويلة كدلالةٍ على تمسّك الكردي برأيه إذا قال «لا». رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، يبدو أحد مصاديق هذا المثل، بتمسّكه بإجراء الاستفتاء، رافضاً ــ حتى الساعات الأخيرة ــ أي طرحٍ لتأجيله، رغم التهديد والوعيد، وأساليب الترغيب والترهيب، التي مارستها بغداد وجيرانها وحلفاؤها وخصومها والمجتمع الدولي.
لم يبدِ البرزاني أيّ مرونةٍ تجاه قرارات البرلمان والمحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في البلاد)، مصرّاً على إجراء الاستفتاء في مناطق الإقليم، وفي المناطق المتنازع عليها، وتلك التي تعتبر مناطق تماس بين قوات «البشمركة» والجيش العراقي.
طوال الأيام الماضية، شهدت المناطق المتنازع عليها (يُشار إليها بمناطق المادة 140 من الدستور العراقي) حراكاً شعبياً وسياسياً يرفض ضم مناطقهم إلى مناطق الاستفتاء. في مقدمتها ديالى، حيث صوّت أعضاء مجلسي مدينتي السعدية ومندلي ــ المصنفتين ضمن المناطق المتنازع عليها ــ على رفض شمولهما بالاستفتاء، فيما انقسم أهالي سهل نينوى في الموصل ــ إحدى أهم المناطق المتنازع عليها ذات الأغلبية المسيحية ــ بين مؤيدٍ ومعارض للاستفتاء.
ووفق معلومات «الأخبار»، فإن حوالى 10 مناطق في محافظات صلاح الدين، ونينوى، وديالى، فضلاً عن كركوك سيجرى فيها الاستفتاء. والمناطق المشمولة في ديالى هي: كفري، جلولاء، قره تبة وخانقين، والتي تعتبر مناطق نفوذ لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني» و«حركة التغيير»، ويوجد فيها بعض ألوية «الحشد الشعبي». أما في طوزخورماتو، المنطقة الوحيدة المتنازع عليها في صلاح الدين، ذات الغالبية التركمانية، فقد أكّد رئيس مجلسها المحلي علي الحسيني، فشل الأحزاب الكردية هناك (يتقاسمها حزبا «الديموقراطي» و«الاتحاد الوطني») في إجراء الاستفتاء، وفتح مراكز اقتراع وسط القضاء، مشيراً إلى أن «الاستفتاء سيجرى في المناطق الواقعة عند أطراف طوزخورماتو».
وفي حديث إلى «الأخبار»، يقول الحسيني، إن «المجلس المحلي تمكّن من الحصول على موافقة الحكومة المحلية في صلاح الدين، وكذلك المركزية بمنع الاستفتاء وهذا ما يعمل عليه الآن»، لافتاً إلى أن «الأحزاب الكردية لم تتمكن من تعطيل الدوام الرسمي للمواطنين الكرد أو حتى حجز مواقع رسمية وسط القضاء من أجل التصويت على الاستفتاء».
ووفق مصادر «الأخبار»، فإنه حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، كان الهدوء يسود في سهل نينوى، حيث لم تفتح أيّ مراكز اقتراع، كما لم تشهد دخول صناديق الاستفتاء، إذ يسود رفضٌ للمشاركة في الاستفتاء. وهذا ما يؤكده لـ«الأخبار»، المتحدث باسم «كتائب بابليون» ــ أحد فصائل «الحشد» ــ ظافر لويس. ولدى سؤال لويس عما يدور بشأن محاولة سلطات الإقليم إدخال صناديق الاقتراع صباحاً، اكتفى قائلاً: «لكل حادث حديث». وقال إنّ القوات التي يتبع إليها تمثل «جزءاً من المنظومة الأمنية العراقية، وتأتمر بأوامر رئيس الوزراء حيدر العبادي، وسننتظر توجيهات القيادة وأوامرها في هذا الصدد».
وبالرغم من تأكيدات مسعود البرزاني، خلال مؤتمره الصحافي، أنه ماض نحو الانفصال بعد «فشل الشراكة»، كشفت مصادر مطلعة على ما يوصف بـ«مفاوضات وتحركات الساعات الأخيرة»، أن «الحزبين الرئيسيين في الإقليم (الديموقراطي بزعامة البرزاني والاتحاد الوطني بزعامة جلال الطالباني) تواصلا مع أنقرة وطهران، وبعثا برسائل اطمئنان بدّدتا مخاوفهما». وأكّدت المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «الحزبين منحا ضمانات لإيران وتركيا بأن الاستفتاء هو أشبه باستطلاع رأي لمعرفة رأي الكرد بتقرير المصير، ومن ثم الضغط على بغداد للحصول على المستحقات المالية وإعطاء المزيد من الصلاحيات».
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن الكردي علي ناجي، أنّ «الرأي الكردي يذهب حالياً باتجاه أن يساهم الاستفتاء في تشكيل كونفدرالية بين الإقليم والمركز»، مشيراً في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «الأحزاب الكردية أعطت ضمانات لتركيا وإيران بأن الاستفتاء لن يؤدي إلى الانفصال».