غاليري «البارح» البحرينية، تقدم «مقامات» الفنان عبد القادري مستلهماً شرح مقامات الحريري للواسطي. يعالج القادري أحداثاً مفصلية دقيقة في تاريخنا الراهن من الصراع مع التكفيريين ونهب الآثار وتدميرها بمعالجة أرادها أقرب إلى المقارنة والتحليل منذ إعلان دولة الخلافة المزعومة في العراق والشام حتى تدمير جامع النوري الكبير في الموصل حيث نصب البغدادي نفسه خليفة.
يجري القادري مقارنة عبر استلهام الواسطي ومنمنماته في العراق الاسلامي وتاريخه الثقافي المشرق. وفي حديث خاص بـ «الاخبار» يشرح القادري مجموعة اعماله هذه. «لمَ المقامة؟ لانني قبل الـ 2014 بفترة قصيرة، وصلني الى المؤسسة التي كنت اديرها كتاب من ضياء العزاوي هو مقامات الحريري التي رسمها الواسطي وهي النسخة الموجودة في المكتبة الوطنية في فرنسا. تأثرت بها كثيراً لأنني لم اكن على اطلاع على هذه الاعمال الكاملة التي ألفت قبل 800 عام. كان تأثري كبيراً بهذا الفنان الذي كان يصنف بالفنان الاسلامي وطريقة عمله وعفويته وكيف حرر اللوحة أو المنمنمة من منطق المنمنمة الفارسية أو حتى البيزنطية المعتاد. احببت أن اقدم تحية لهذا الفنان الذي ايضا بحسب التاريخ يعتبر اول فنان عربي و اسلامي يوقع على لوحته او يوقع عمله الفني.
باشرت بمجموعة اعمال تحية الى الواسطي او تحية الى مقامات الواسطي. وفي تلك الفترة، وعندما كنت أعمل على هذه المقامات و تحديدًا في 5 تموز (يوليو) نشر داعش اول فيديو للبغدادي في الموصل معلناً نفسه خليفة على المسلمين.
وللمفارقة هذا النهار كان يوم ميلادي. أخذت لوحة كبيرة ورسمت عملاً أسود أسميته المقامة 5 تموز 2014. بعدها طبعاً أكملت العمل على اللوحات «تحية الى الواسطي. وفي أحد الأيام تحديداً بعد اقل من سنة، نشرت داعش مرة ثانية فيديو حيث يظهرون وهم يدمرون متحف الموصل والاثارات والتماثيل الموجودة على بوابات المتحف. وكان هذا الفعل المؤثر داخل إلى لوحتي، ولكنني لم اعلم كيف.
ففي إحدى المرات وانا اعمل على لوحة للواسطي بالفحم، دار المكيف وطار الفحم عن اللوحة. لذا وجدت فيها رمزية كبيرة جداً. فاستبدلت المشهد بالجزء الاعلى من اللوحة بفيديو تدمير متحف الموصل واخبأته بالفحم. وبدأت رسم هذه المجموعة من الاعمال التي تحوي في الجزء السفلي منها الألوان الزيتية وفي الجزء العلوي مادة الفحم تأكيداً على رمزية الفحم المصنوع اصلاً من نار، ثم أنه يتطاير بمجرد أن ينفخ الشخص باتجاهه. كيميائية هذه المادة أصلاً أي في أنها غير ثابتة، تفيدني للمضمون أيضاً، فيما الزيت هو مادة دائمة، تستمر وتبقى.
كنت هنا كأنني أحاول أن اقول ان الثقافة العربية كانت في مكان واصبحت في مكان آخر كلياً. أن أشير إلى الفارق بين النقيض بين الزمانين أو الثقافتين.
ما اود التأكيد عليه فيما يخص هذه المجموعة التي تم عرضها منذ اكثر من سنتين في الكويت، هو التغير الثقافي الذي نعيشه اليوم والذي استطعت أن استنبطه من لوحات الواسطي التي كانت ترصد بشكل دقيق جداً وامين الحياة في العراق التي هي ايضاً تشمل الحياة في المناطق العربية الاخرى. مثلاً كيف كان يعيش الناس؟ وكيف كان هناك اختلاط بين الرجال والنساء؟ وكيف كانوا يأخذون دروس العلم؟ كيف كانوا يعزفون الموسيقى في المكتبات... الاشارة إلى العلم.. إلى الانفتاح..
حتى في احدى اللوحات الهامة جداً عند الواسطي وهي صورة دفن، نرى كيف تقف النساء بجانب الرجال اثناء دفن الميت. فيما اليوم أي بعد 800 عام، صارت هناك اجتهادات تقول بأنه لا يجب على المرأة أن تدخل إلى المدافن ولا يجوز هذا ولا يجوز ذاك.
كل هذه الصور التي رأيتها في اعمال الواسطي أكدت لي اننا في مرحلة فكرية جداً متأخرة عما كان يعيشه العالم الاسلامي في العصر العباسي وهو فعلاً من اهم وافضل المراحل في الحضارة الاسلامية.
وأود أن أضيف، عندما اكملت المجموعة، بقيت لدي مجموعة اعمال غير منتهية. لأن للحقيقة لم اكن اريد استعمال نفس المشاهد من تدمير متحف الموصل. وكان يهمني ان اركز على تدمير الاثار وعلى تدمير الابنية».
وبختم القادري: «بعدما نلت جائزة سرسق مؤخراً، تحمست صراحة أن اقدم للجمهور اللبناني هذه المجموعة، لأن كثيرين لم يفهموا ما قصدت حينها. لذا كل شخص فسرها على طريقته. فرأيته انه من الضروري أن تعرض هذه المجوعة في لبنان. أحببت أن اختم هذه المجموعة بعمل كبير في 21 حزيران 2017 ، وهو تاريخ آخر فعل ارهابي مصوّر ارتكبته داعش في موصل وهو تحديداً تدمير الجامع الكبير النوري الذي اعلن منه ابو بكر البغدادي الخلافة».