هو المشهد نفسه منذ أكثر من عام، سيتكرّر بعدَ يومين. سيحطّ الرئيس سعد الحريري في موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكنّ تفاصيل كثيرة تغيّرت. الوضع في كل من سوريا والمملكة العربية السعودية ولبنان أيضاً، لم يعد على حاله. حتى الحريري تغيّر وأصبح رئيساً لحكومة لبنان. الثابت بين التوقيتين هو أهمّ صفة عند الحريرية السياسية: التجوال في الخارج لنسج علاقات دولية، ورصد معلومات المنطقة والعالم. هذه لعبة رئيس الحكومة المفضلة. كانت كذلك بالنسبة إلى والده الرئيس رفيق الحريري.
منذ أيام خرج عضو كتلة «المُستقبل» عقاب صقر في مقابلة له مع صحيفة «الشرق الأوسط»، قال فيها إن «الحريري سيبيّن خلال زيارته لبوتين مخاطر بقاء الرئيس بشار الأسد على مستقبل سوريا ومستقبل لبنان، ومخاطره على العلاقات العربية ــ الروسية»، مؤكداً أن «رئيس الحكومة لديه مبرّرات لذلك». ربما قال صقر ذلك لأسباب عدّة، أهمها درجة التشوّش الذي يعيشه محوره نتيجة تراجعه في المنطقة، أو لضعف قدرته على تقبّل الواقع وإدراك ملامح المنطقة التي تقول إن سوريا لم تسقط، ومعها كل المحور الداعم لها. لكنه، وللأمانة، كان واقعياً حين اعترف في المقابلة ذاتها بأن «الحريري ليس لديه وهم بأنه قادر على تغيير موقف روسيا». فهذه حقيقة ينقلها زوار الرئيس الحريري عنه: «هو يدرك حجمه ودوره ويعرف تماماً التغيرات التي طرأت، ويريد التصرف على أساسها بما يضمن وضعه»، وهو أيضاً «يبحث عن ضمانات جديدة لبقاء حكومته على ما هي عليه، فلا تدفع ضريبة أي تسوية في المنطقة».

يعتقد الحريري أن
زياراته الدولية ترفع
من أسهمه لدى جمهوره وتدعم
بقاءه في السراي




ذهاب رئيس الحكومة إلى روسيا للحصول على ضمانات ليس الأول من نوعه. قبل إنجاز التسوية الرئاسية، قصد الحريري الرئيس بوتين، وكان (الأول) في عزّ ضعفه؛ رئيس تيار لا يملك سوى منظومة سياسية ومالية «على الحديدة». آنذاك، كان يستعجل إنتاج تسوية رئاسية تعيده إلى السلطة من الباب القوي. باب رئاسة الحكومة. راح وفي جعبته كلام عن تهيئة الأجواء لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، مطالباً بضمانات لحماية هذه التسوية، وحماية أمنه، والتأكد من عدم وجود ممانعة روسية وإيرانية لشخصه.
أما اليوم، وبعد أن أصبح رئيساً للحكومة، لا أحد قادر على حصر الزيارة الجديدة بعنوان وحيد. وفي ظلّ الوضع الإقليمي المتدهور والخلافات الخليجية ــ الخليجية، يعوّل الحريري على أن تكون الزيارة «خطوة نحو تعزيز وضعيته أمام موازين القوى الداخلية»، ولها أربعة أسباب؛ الأول أنها «تعطيه دفعاً داخل بيئته، بصفته الشخصية السنية الوحيدة القادرة على طرق أبواب رؤساء الدول الكبار كما كان والده يفعل». هل يُمكن أن تُثمر هذه الزيارة شيئاً؟ ليس مهماً. المهمّ هو إيصال هذه الصورة عنه في الدرجة الأولى. وفيما لا يملك الرجل أي أوراق في الداخل اللبناني يستطيع وضعها على الطاولة، اختار الإمساك بالملف الخارجي، فتحوّل إلى رحّالة في رحلاته من الولايات المتحدة، إلى فرنسا، والآن إلى موسكو. من هذا السبب يتفرّع آخر، مبني على استغلال الحريري لهذه الزيارات واستثمارها في علاقاته العربية، تحديداً مع المملكة العربية السعودية. يظّن أن مثل هذه اللقاءات سترفع من أسهمه كشخصية سياسية لدى المملكة، وتسمح له باستعادة مكانته. ومن المتوقع أن يزور السعودية كعادته بعد كل جولة، لوضعها في صورة لقاءاته، والتسويق لنفسه على أنه يُمكن أن يكون سفيراً لها في عواصم الدول، أو وزيراً لخارجيتها بالوكالة. ثالثاً، يسعى الحريري، وهو العارف بعدم قدرته على إحداث أي تغيير في السياسة الروسية أو موقفها، إلى تقوية مظلته الشخصية عبر نسجه علاقات دولية، يريد من خلالها القول إنه صوت قوي، والمحافظة على فرص العودة رئيساً للحكومة بعد الانتخابات النيابية المقبلة. يفصل المقرّبون من الحريري هذه الأيام بين سياسته وسياسة كل تياره، «فهو لن ينجرّ إلى أي مواجهة مهما بلغت حجم الضغوطات عليه». وهذا سيكون «جزءاً من النقاش الذي سيدور في حديث الرئيسين، وسينطلق منه لاستقصاء الوضع الدولي ومسار الأمور»، مع تشديده على «سياسة الحياد التي يذكّر بها عند كل جلسة داخل الحكومة أو خارجها».
من جهة أخرى، وفيما يرافق الرئيس الحريري في جولته عدد من الوزراء، من المتوقع أن ينضمّ الى الوفد السياسي وفد اقتصادي لمناقشة بعض الاتفاقيات، ويبلغ عددها 14 تعنى بها مجموعة من الوزارات. كذلك تداولت بعض المعلومات إمكانية انضمام رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني اليه، إذ قيل إن «مشاركته تهدف إلى البحث في خطط خاصة بأزمة النفايات»، غير أن مصادر في البلدية نفت أن يكون ذلك سبباً لمرافقة عيتاني للحريري، خصوصاً أن «النقاش اليوم يحصل مع شركات ألمانية ودنماركية».