انطفأ في دمشق أمس، نعمان جود (1946- 2017)، الأب الروحي للسينوغرافيا في المسرح السوري. رحل في الخريف كشجرة تودّع أوراقها بصمت. ستفتقده الخشبة بعد صحبة نصف قرن من العروض اللافتة. معلّم حقيقي لطالما وضع بصمته الخاصة على معظم عروض المسرح السوري، إذ نقل فكرة الديكور من الموبيليا الراكدة إلى هوية إضافية للنص وحركة الممثل.
الآن، حين نستعيد تاريخ الخشبة المضاءة في «مسرح الحمراء» أو «مسرح القباني»، لا بد أن نجد توقيعه بوصفه شريكاً، وليس مجرد مهندس ديكور يعمل في الظل. هكذا رافق أبرز العروض مثل «رأس المملوك جابر» مع جواد الأسدي، و«الزير سالم» مع نائلة الأطرش، و«سكان الكهف» مع فواز الساجر، و«يوليوس قيصر» مع شريف شاكر، و«قصة موت معلن» مع مانويل جيجي، بالإضافة إلى معظم عروض المعهد العالي للفنون المسرحية، فقد كان أحد مؤسسيه قبل أن يؤسس قسم السينوغرافيا في المعهد واضعاً خبرته الطويلة في ابتكار المشهدية الخلّاقة والروح التعبيرية في استخدام الفراغ، نافياً التزينيية البرّانية عن فضاء العرض لمصلحة الكثافة البصرية الصارمة، وبلاغة جماليات المنظر المسرحي.
تدين أجيال كاملة من العاملين في المسرح السوري لهذا المعلّم المرهف الذي اعتاد الإنصات إلى الآخرين بعمق، جاعلاً من الصمت قيمة إبداعية كبرى.
خانته رئتاه أخيراً، بعد صراع طويل مع المرض. على الأرجح، افتقد أوكسجين الأزمنة السعيدة، فالتحق برفاقه الراحلين، مطمئناً إلى ميراثه الأصيل.