لم تكن سوريا أكثر اطمئناناً إلى المناخ السياسي والأمني في لبنان، منذ خروج الجيش السوري في عام 2005، ممّا هي عليه الآن. فعلى الرغم من خطورة التهديد الذي شكّله فتح الحدود التركية والعراقية والأردنية والحدود مع الجولان السوري المحتلّ أمام الإرهابيين إلى الداخل السوري، إلّا أن الحدود اللبنانية كانت الأشد خطراً والأكثر جديّة.
لبنان هو واجهة دمشق البحرية، وخطّ دفاعها الأوّل من الغرب، وإذا ما سقط البلد الصغير في أيدي أعداء سوريا، تصبح العاصمة في خطر وجودي. يقول مصدر أمني سوري رفيع المستوى، إن «ما كان مطلوباً من الحدود اللبنانية هو شقّ سوريا إلى نصفين في حمص، وقطع طريق العاصمة إلى الساحل السوري بالتزامن مع التقدّم نحوها من الجنوب». لم يدم هذا المخطّط طويلاً، سريعاً «تدخل حلفاء سوريا في لبنان، ونفّذ الجيش السوري والمقاومة اللبنانية عملية مشتركة لإعادة السيطرة على مدينة القصير». بدأ مسلسل تفكيك «الإمارة القاعدية» في حمص والقلمون في 2013، و«انتهت آخر فصوله قبل أيام في جرود القلمون الغربي».

ورشة إعادة إعمار سوريا آتية لا محالة، وللبنانيين دور كبير فيها

بالنسبة إلى سوريا، «لبنان كان دائماً مصدر تهديد، والحرب الأهلية اللبنانية كانت تهدف إلى إغراق سوريا وتفكيكها، والأنظمة اللبنانية المتعاقبة احتضنت جماعات تعادي سوريا، كما حصل في طرابلس وغيرها أيام الإخوان المسلمين». هذا الزمن ولّى إلى غير رجعة. يشير المصدر إلى أن «لبنان اليوم، بعد القوّة التي أثبتتها المقاومة اللبنانية وحلفاؤها، من رئيس الجمهورية إلى رئيس المجلس النيابي والقوى الوطنية وتماسك الجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب، تحوّل إلى مصدر طمأنينة وأمان».
في السياسة، يرى السوريون ضعف فريق 14 آذار، أو ما تبقّى منه. «هذا الفريق استنفد دوره ولم يحقّق أي نتيجة، منذ اتهام سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري وهم من فشلٍ إلى فشل»، يتابع المصدر: «هذا الفشل، يعكس يأساً من الدول الداعمة لهم بالتغلّب على تماسك علاقة سوريا بحلفائها اللبنانيين». الاستقرار السياسي اللبناني عاملٌ مهمّ أيضاً، تحرص دمشق عليه، متفهمّةً كيفية إدارة المقاومة للعبة الداخلية.
هل هناك تنسيق مع الجيش اللبناني؟ يتحفّظ المصدر عن الإجابة، لكنّه يؤكّد ما يؤكّده ضبّاط لبنانيون، عن استمرار مكتب التنسيق العسكري بعمله، وعن وجود ضباط سوريين في لبنان وضباط لبنانيين في دمشق، من دون أن يذكر تنسيقاً فوق العادة، في عمليّات عسكرية محدّدة.
وبانتظار إعادة العمل بمعبر نصيب الحدودي مع الأردن، يترقّب السوريون «استسلام الفريق المعادي لسوريا في لبنان، والخضوع لحاجة البلدين الاقتصادية والمعيشية، والخطوات الآيلة إلى تفعيل التبادل التجاري بين البلدين». إلّا أن هذا الأمر يفتح الباب أمام الحديث عن إعادة الإعمار، وعن دور لبنان في إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
يقول المصدر، إن «ورشة إعادة إعمار سوريا آتية لا محالة، وللبنانيين دور كبير فيها». هل يعني هذا تلزيم مشاريع لأطراف كانت أو لا تزال تعادي سوريا؟ يردّ المصدر بحزم: «لا يحلم أحدٌ ممن شارك بتدمير سوريا في المشاركة ببنائها، المسألة ليست سياسية فحسب، هناك دم سقط بسبب هؤلاء، ولا يستعاض عنه بمال أو إعمار».
ماذا عن النازحين السوريين وحل الأزمة؟ يرى مصدر سياسي سوري أن «سوريا معنية بعودة جميع أبنائها من المهجرين، وهناك سوريون كثر سيعودون من لبنان إلى سوريا للعمل في بناء بلادهم». لكنه يعقّب: «مسألة النازحين فيها تعقيدات كثيرة، بعض الأطراف أراد استخدام مخيّمات اللجوء للضغط علينا، والآن وقعوا في أزمة ويريدون منّا المساعدة من دون تواصل رسمي بين الدولتين. هذا أمر مستحيل، وهم يقولون إنهم يعوّلون على الأمم المتحدة، حسناً فلنرَ ماذا ستفعل الأمم المتحدة».
هل تخشون من حرب إسرائيلية على لبنان في ظلّ التهديدات؟ يقول المصدر الأمني إن «إسرائيل دائماً تفكّر في شن حرب، لكنّها أيضاً تخشى من ردّ المقاومة، المرجّح أن تحاول إسرائيل العبث في الأمن اللبناني من الداخل، وهناك أيضاً قلق على التطورات التي تحصل في عين الحلوة».