ارتفعت سقوف الخطاب الإماراتي الذي يسعى حالياً إلى الكشف عن نفوذ أبو ظبي ضمن الرقعة الشرق أوسطية، درجةً إضافيةً أمس، إذ انتقل من الهجوم الحاد على قطر إلى هجوم شديد شمل كلاً من تركيا وإيران لدورهما «الاستعماري».
ومنذ منتصف الشهر الجاري، يبدو أنّ الشرق الأوسط يشهد تحولاً سياسياً مهماً، يتمثل في ارتفاع مستوى التواصل بين أنقرة وطهران، فيما كان الرئيس رجب طيب أردوغان قد لمّح إلى احتمال قيام الطرفين بعملية عسكرية مشتركة ضد قوى كردية.
وخلال مؤتمر صحافي في أبو ظبي أمس، جمع وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف، رأى ابن زايد أنّ «طهران وأنقرة تلعبان دوراً استعمارياً تاريخياً في المنطقة العربية، وهو ما يهدّد بنشوب أزمات أخرى على غرار الأزمة السورية». وحذّر في الوقت نفسه من أنّ الدولتين «تلعبان دوراً سلبياً في سوريا» (وفق ما نقلت قناة العربية).

ثمة من يعتقد
بأنّ محاور شرق أوسطية جديدة باتت في طور التشكّل

ومن المعروف أنّ العلاقات الإماراتية ــ التركية قد ارتفع مستوى التوتر فيها منذ بداية الأزمة الخليجية. ومن الجانب الإيراني، فإنّ التصريح الإماراتي ليس جديداً في حدّته، علماً بأنّ دبلوماسياً إيرانياً رفيعاً سبق أنّ أشار في حديث مؤخراً إلى أنّ العلاقة التجارية مع الإمارات هي «الأقوى عربياً، رغم كل ما يقوله مسؤولوها».
وثمة من يرى أنّ هذا التصريح يشير إلى أنّ محاور جديدة «باتت في طور التشكّل في المنطقة»، من شأنها أن تقود إلى تقارب أوسع بين «مثلث أنقرة ــ طهران ــ الدوحة». وقد يؤشر التصريح الإماراتي إلى عدم ارتياح إزاء تقلص نفوذ دول الخليج العربية في المشرق العربي، خاصة في حال تحقق «التقارب التركي ــ الإيراني».
وإلى جانب عدد من التصريحات الرسمية التركية والإيرانية، فقد أكدت مصادر دبلوماسية عدة في الأيام الماضية، حدوث «تطور ملفت على خط» العاصمتين، يشمل التباحث في «أهم التحديات الإقليمية» (أبرزها القضية الكردية في سوريا والعراق «بعد سقوط داعش»، واستفتاء إقليم كردستان المرتقب الشهر المقبل)، إضافة إلى التباحث «في شؤون سورية»، سعياً إلى تدارك «أيّ اتفاقات أميركية روسية إضافية».
ومنذ أسابيع قليلة، ثمة مؤشرات في الصحف التركية على القلق إزاء «السياسات السعودية ــ الإمارتية». وكمثال، كتب الصحافي إبراهيم قراغول، في «يني شفق» (القريبة من الرئاسة التركية) في 17 من الشهر الجاري: «نواجه اليوم ظروفاً جديدة سوف تولّد من الأعداء حلفاء، ومن الحلفاء أعداء، والآن يعاد بناء الجبهات، والتحالفات تعاد صياغتها». وأعرب في سياق مقالته عن اعتقاده بأنّ «هناك رياحاً خبيثة تتجه إلينا، ووراء المناورات الجارية بين الرياض والإمارات حسابات أعظم وأكبر، لأن وراء هذه المبادرات عقلاً أميركياً وإنكليزياً وإسرائيلياً»، مضيفاً أنّه «مشروع دولي يستهدف المنطقة، وهو مشروع دقيق جداً يهدف إلى سيطرة المخططات الأميركية على سوريا والتضييق (على إيران)، وعزل تركيا من سوريا».
وفي ظل الأحاديث الإعلامية والسياسية عن «التقارب التركي ــ الإيراني»، عقّب رئيس تحرير «حرييت نيوز»، مراد يتكن، على تلميح أردوغان إلى احتمال قيام الدولتين بعملية مشتركة ضد جماعات كردية، بالتحذير في نهاية مقالة له من أنّ «التاريخ مليء بالانعطافات الخاطئة». وفي ضوء التباينات بين تركيا ودولٍ غربية، فقد حملت مقالة يتكين وجهة نظر مغايرة تدور في أنقرة، وذلك حين أشار إلى أنّ «على الحكومة التركية، والحكومتين الأميركية والألمانية، مواجهة المخاطر بهدوء وحذر».
وفي حديث صحافي، رأى ممثل حزب «الشعوب الديموقراطي» (الكردي) التركي أمام المؤسسات الأوروبية، فايق ياجيزاي، أنّ «ما تبدّل» في المرحلة الأخيرة هو أنّ «أردوغان عدّل في حساباته»، خاصة بسبب المتغيرات الحاصلة في الملف الكردي بين العراق وسوريا. وقال إنّ الرئيس التركي «أصبح مضطراً إلى التخلي عن مشروعه في سوريا الذي كان يقضي باستبدال بشار الأسد بالإخوان المسلمين». وأضاف في خصوص «التقارب مع إيران» أنّ «أردوغان يريد استدراج إيران نحو حرب على حزب العمّال الكردستاني».
في غضون ذلك، من الملفت أنّ التصريح الإماراتي كان له مثيل في تل أبيب، إذ كان السياسي الإسرائيلي يائير لبيد قد هاجم أردوغان في بداية الشهر الجاري، قائلاً: «مع مرور الوقت، تصبح تركيا أكثر عدوانية، أكثر عثمانية، وبالأساس أكثر إسلامية. وفي الصراع الشرق أوسطي الكبير بين المحور السعودي والمحور الإيراني، اختار أردوغان طرفاً، وقد وقف في مركز مثلث إيران ــ تركيا ــ قطر... وهذا المحور أقوى بالنسبة إليه من الحلف مع إسرائيل».
(الأخبار)