يضيق أفق تطوير العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي وذلك مع توقف مفاوضات الانضمام، إضافة إلى التوترات المتكررة بين برلين وأنقرة بشأن ملفات عدة، وهو ما عبّر عنه رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أمس، بقوله إن تركيا تبتعد «بخطوات كبرى» عن الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن التطورات الداخلية التركية تؤثر كذلك على موقف الأوروبيين من أنقرة، إذ رغم تأكيده أن علاقته «جيدة» مع الرئيس التركي، أشار يونكر إلى أن رجب طيب أردوغان يريد «وضع حد للمفاوضات وإلقاء المسؤولية على عاتق الاتحاد الأوروبي، لا على تركيا في وقفها».
وانطلاقاً من واقع أنه لا يوجد تعليق رسمي للمفاوضات التي بدأت عام 2005 مع تركيا، تابع أن المسألة باتت «نظرية لأنه في مطلق الأحوال ليس هناك مفاوضات في الوقت الراهن». ورأى أن على الأوروبيين أن يتجهوا « بشكل يخول الأتراك أن يدركوا بأنهم هم، أي نظام أردوغان، من يجعلون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أمراً مستحيلاً». وخلص إلى القول إن «المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الجانب التركي».
ولا تزال هناك ملفات عدة تشكل عوامل توتر بين أنقرة وبروكسل اللتين تراجعت علاقتهما منذ تموز 2016، أي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. لكن دعوة أردوغان، في الأسابيع الماضية، الألمان من أصل تركي إلى عدم التصويت للأحزاب «المعادية» لتركيا رفعت من مستوى التوتر مع برلين، وبالتالي مع الأوروبيين بشكل عام.
ورغم موقف أردوغان الحادّ من الأحزاب الألمانية، قال الباحث يونس أولسوي لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية إن طريقة تعامل الألمان مع أردوغان تأتي بنتائج عكسية، فالرئيس التركي لديه شعبية في أوساط الأتراك في ألمانيا، ما قد يجعل مواقف الألمان منه ذات طابع عدائي وعنصري بالنسبة إلى الألمان ذوي الأصول التركية.
وفي انتخابات عام 2013، صوّت 64 في المئة من الأتراك ــ الألمان لـ«الحزب الاشتراكي الديموقراطي» و12 في المئة لـ«الخضر» و12 في المئة لـ«حزب اليسار»، فيما نال «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» 7 في المئة فقط من أصواتهم، إذ يعتبر الأخير أنه أقل تسامحاً تجاه المهاجرين، فيما يظهر أن «الاشتراكي الديموقراطي» لديه مواقف أكثر تقبلاً لمن هم ليسوا من أصل ألماني. غير أنه بعد موقف أردوغان الأخير، قد تتراجع تلك النسب بشكل ملحوظ، إضافة إلى أن نسبة مشاركتهم في الاقتراع من المتوقع أن تنخفض أيضاً، وفق تقرير «ليبراسيون».

أسباب عدة تجعل «الشعب الجمهوري» تحدّياً بالنسبة
إلى أردوغان


يأتي ذلك فيما أصرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أمس، على موقفها الرافض لإقامة اتحاد جمركي موسع مع تركيا، إذ إن العلاقات معها، بما في ذلك في المجال التجاري، لا يمكن أن تتحسن في غياب تحسن في دولة القانون. وأضافت خلال مؤتمر صحافي في برلين أنه «في الظروف الحالية، لا أرى ضرورة (للتفاوض) على توسيع الاتحاد الجمركي»، موضحة أنها ستصر على الأمر اليوم خلال غداء عمل مع يونكر. وتوجهت ميركل «إلى ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي يعيشون في ألمانيا» بالقول إن برلين تحبذ «تحسين العلاقات، لكنها مرتبطة بمسألة دولة القانون وهي غير مضمونة اليوم في تركيا».
وبالإضافة إلى الفوضى الدبلوماسية مع الأوروبيين، يواجه أردوغان في الداخل حراكاً سياسياً ناشطاً ضده من قبل «حزب الشعب الجمهوري»، وكذلك من قبل الخارجين عن حليفه «الحركة القومية»، على الرغم من أن حجم تأثير هؤلاء ليس واضحاً بعد. وتستعد المرشحة للرئاسة، ميرال أكشنير، التي كانت سابقاً في «الحركة القومية»، إلى إطلاق حزبها الجديد في تشرين الأول المقبل. ووفق ما أعلن كوراي أيدن، أحد نواب «الحركة القومية» سابقاً، فالحزب الجديد سيكون تحت اسم «الحزب الوسطي الديموقراطي»، وسيشمل «يساريين ومحافظين وليبراليين وقوميين». واعتبر أيدن أن الحزب الجديد عند تأسيسه لن يكون تابعاً أو نسخة أخرى عن «الحركة القومية»، بل هو مختلف، إذ سيرى الناس أن «أفراداً من مختلف الشرائح الاجتماعية في البلاد مشاركون فيه... وسنؤمن للشعب التركي فريقاً قادراً على أن يحكم تركيا».
وأكشنير هي المرشحة الوحيدة حتى الآن لرئاسة الجمهورية في وجه أردوغان، فيما لم يتضح بعد ما إذا كان «حزب الشعب الجمهوري» سيرشح أحداً من أعضائه في المستقبل القريب.
وتأتي تلك التساؤلات تزامناً مع عقد «الشعب الجمهوري» لـ«مؤتمر العدالة» الذي ينتهي اليوم، وذلك بعدما نجح خلال شهر تموز الماضي في القيام بـ«مسيرة العدالة» التي شارك فيها عدد كبير من الأشخاص غير الراضين عن أداء حكومة «العدالة والتنمية»، وخصوصاً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي. ولم يحمل المشاركون في تلك النشاطات أي شعار حزبي سوى لافتات «العدالة»، ما شجع كثر على الانضمام إليها، وهو أمر قد يجعل من رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، تحدياً «مخيفاً» لأردوغان، وفق ما كتب رئيس تحرير صحيفة «حرييت»، مراد يتكين، أمس.
(الأخبار)