الجزائر | على عكس الانتخابات التشريعية الأخيرة التي قاطعها جزء من المعارضة، ستدخل الأحزاب السياسية في الجزائر بصفوف مكتملة غمار الانتخابات المحلية، على الرغم من عدم اختلاف الوضع كثيراً بين الاستحقاقين. وينتظر أن يشارك قرابة 60 حزباً سياسياً في هذا الموعد، بما فيها الأحزاب التي تحمل خطاباً راديكالياً ضد السلطة الحالية.
وقد كشف حزب «طلائع الحريات» الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس، عن موقفه، بعد عملية تصويت داخلية جاءت لمصلحة المشاركة «بنسبة 54 في المئة»، فيما عبرت البقية عن الرغبة في استمرار مقاطعة المواعيد الانتخابية بسبب «غياب ضمانات نزاهتها». وبعد ظهور موقف حزبه، قال علي بن فليس، وهو أبرز خصوم بوتفليقة في انتخابات الرئاسة لسنة 2014، إن المشاركة لا تعني أبداً تغير الموقف من النظام السياسي ومن الأوضاع التي سبّبها.
وقال بن فليس، مخاطباً أعضاء اللجنة المركزية لحزبه، إنّ «الذين يتبنّون خيار المشاركة، مثلهم مثل الذين اختاروا عدم المشاركة، أو الذين يدعون إلى المقاطعة، وهؤلاء جميعاً يدركون أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مثلها مثل التي سبقتها، ليست ولن تكون حاملة لأي حل للمعضلة الخطيرة السائدة في الجزائر».
واستبق بن فليس تأويلات مفترضة لقرار المشاركة، بالتأكيد أن حزبه ليس ساذجاً، فهو «يعلم جيداً أن المعايير الديموقراطية المعروفة دولياً، لا تتوفر في الجزائر»، ويعلم أيضاً أنّ «القانونين العضويين المتعلقين بالنظام الانتخابي وبالهيئة المسماة عبثاً العليا والمستقلة لمراقبة الانتخابات لم ولن يساهما سوى في تعميق ممارسات وميكانيزمات الاحتيال السياسي الفظيع».

يوجد شبه إجماع لدى المعارضة للمشاركة في الانتخابات المحلية

ويرجع تغيّر موقف حزب بن فليس، وفق مراقبين، إلى طبيعة الانتخابات المحلية التي «لا تترتب عليها التزامات سياسية بالنسبة إلى المنتخَبين، كونهم يديرون شؤوناً خدمية في البلديات، كما أنها انتخابات تسمح بالاحتكاك المباشر بالمواطنين والتعبئة السياسية للأحزاب التي تعاني فقراً كبيراً في المناضلين». إضافة إلى ذلك، فإن المشاركة تسمح «بخلق ديناميكيات داخل الأحزاب التي يبحث فيها المناضلون عن الفوز بولايات انتخابية ولو على مستويات محلية».
وعلى الرغم من وجود شبه إجماع لدى المعارضة للمشاركة في الانتخابات المحلية، إلا أن ثمة أصواتاً داخلها لا تزال رافضة. ومن هؤلاء، المحامي والناشط السياسي عمار خبابة الذي صرح لـ«الأخبار» بأنّ «الانتخابات لم تعد آلية للتداول على السلطة، ولذلك ارتفعت الأصوات بضرورة إنشاء هيئة وطنية مستقلة للإشراف». وأضاف أنّ «المجالس المعنية (في غياب انتخابات نزيهة قانونية وشفافة) لا تمارس حتى الصلاحيات المخولة لها قانوناً، وبالتالي فإن نفس التشخيص الذي يصوّر النظام السياسي على أنه يصادر إرادة المجالس المنتخبة، يبقى موجوداً في الانتخابات المحلية».
ومع أن الانتخابات في الجزائر منذ سنة 1997 تجرى في مواعيدها المحددة بشكل طبيعي، إلا أن هذا الواقع وفق المعارضة لا يمكن اعتماده كمؤشر على الاستقرار السياسي. وفي تقدير علي بن فليس، فإن «هذه الانتخابات لن تخرج بلدنا من أزمة نظام الحكم، ومن الانسداد السياسي والمؤسساتي ومن المستنقع الاقتصادي والاجتماعي».
ويعتبر رئيس الوزراء الأسبق، الذي تحوّل لاحقاً إلى معارض لبوتفليقة، أنّ الجزائر «تعيش أزمة سياسية ومؤسساتية ذات خطورة استثنائية، ناتجة من الشغور في رأس هرم الدولة».
هذا الموقف يعبّر عنه بوضوح أكبر جيلالي سفيان، رئيس حزب «جيل جديد»، الذي يعتقد بأن «الأحداث السياسية الأخيرة أظهرت للرأي العام أن رئيس الجمهورية يعاني عجزاً جسدياً وفكرياً، يثنيانه عن ممارسة مهماته». واعتبر جيلالي في بيان، أنّ «الحل للأزمة السياسية الخطيرة التي تمر بها الجزائر مرهون بتفعيل إصلاحات سياسية ومؤسساتية عميقة، حيث تكون بدايتها بانتخاب رئيس جديد للجمهورية».
وعلى الرغم من اتفاق جزء من المعارضة على تشخيص الأزمة، إلا أنّ هناك اختلافاً كبيراً في مسارات الحل. وقد ظهرت قبل مدة دعوات للجيش من أجل التدخل وفرض تطبيق المادة الدستورية التي تثبت شغور السلطة، إلا أنّ رد قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح، المعروف بولائه للرئيس بوتفليقة، جاء سريعاً، وأكد التزام المؤسسة العسكرية بمهماتها المحددة في الدستور.