نشرت الصحف الصينية تقارير عن نجاح عملية طبية نوعية لاستبدال ست فقرات من العمود الفقري لمريضة يبلغ عمرها 28 عاماً واستبدالها ببدائل مماثلة مصنّعة من التيتانيوم، وذلك من خلال مطبعة ثلاثية الأبعاد (3D Printer)، تقوم عملياً بصبّ المنتج المطلوب عبر طباعته تدريجيّاً وبواسطة تقنيات الكومبيوتر طبقة فوق طبقة لينتهي ككتلة واحدة متماسكة مترابطة مماثلة تماماً للجسم المستهدف طباعته. وهذه التقنية الحديثة التي توجد لها استعمالات واسعة جداً في مجالات صناعية وهندسيّة، تجد اليوم تطبيقات علميّة بنّاءة وخارقة في ميدان الأعضاء والأطراف والأجسام البديلة في الطب.
طباعة العظام والفقرات البديلة

المريضة الصينية كانت قد أصيبت بسرطان نادر في الغضروف، الذي يتكوّن من الأنسجة القوية المطاطيّة التي توجد بين العظام في جسم الإنسان. عادةّ ما تصيب هذه الأورام منطقة الحوض، لكن في حالة المرأة هذه أصاب المرض ستاً من فقرات الرقبة السبع الدائرية الشكل. ومع نمو الورم، ساءت حالة المريضة ولم تعد قادرة على تحريك جسمها ويديها نتيجة ضغط الورم على الأعصاب الواصلة بين الجسم والدماغ. وفي مثل هذه الحالة الصعبة، كان لا بدّ من اتّخاذ إجراءات طبيّة حاسمة لإنقاذ وضعها، فقرّر فريق الأطبّاء في مستشفى شنغهاي بالتعاون مع المستشفى العسكري الجامعي، اتخّاذ القرار الجريء بإزالة فقرات الرقبة الطبيعيّة المريضة واستبدالها كليّاً بفقرات اصطناعيّة. ورغم خطورة الخطوة، إلّا أنّها كانت الحل الوحيد أمام عجز العلاج الكيميائي وعلاج الأشعّة عن تقديم نتائج تذكر في مثل هذه الحالة المرضيّة.

البدائل قبل استعمال
الطابعات ثلاثية الأبعاد
لم تكن ناجحةً

استلزمت عملية طباعة العظام والفقرات البديلة ثلاثة أسابيع، وذلك نتيجة دقّة هذه العمليّة والوقت اللازم لبرمجة الطابعات وتجهيز نماذج تجريبيّة للرقبة، ثمّ إنتاج العظام والفقرات من التيتانيوم. وبالفعل، قام الأطباء بهذه العمليّة التي استغرقت 13 ساعة وتكلّلت بالنجاح، إذ تعافت المريضة تدريجيّاً وعادت لها القدرة على المشي والوقوف، فيما تحتاج إلى المزيد من الوقت للتمكّن من تحريك رأسها بشكل كامل وطبيعي. وعلى الرغم من عمليّات مشابهة أجريت العام الماضي، تعتبر هذه العمليّة الأولى من نوعها في اتساعها وشمولها معظم منطقة الرقبة، بالإضافة إلى أعلى العمود الفقري والنخاع الشوكي.

استبدال فقرات الظهر

قبل حوالى الشهر، حصلت عمليّة مشابهة في الهند، حيث تمّ تشخيص إصابة بمرض السل في العمود الفقري لامرأة عمرها 32 عاماً، وهذه الإصابة تعتبر نادرة، إذ إنّ السلّ يصيب الرئتين في معظم الحالات. إلّا أن المرأة الهندية كانت تتناول عقاقير معيّنة من أجل معالجة حالة العقم لديها، ما أضعف مناعتها بشكل كبير وأتاح للسلّ أن يتسلّل إلى عمودها الفقري ليصيب 10 فقرات كاملة، ما سبّب أضراراً كبيرة فيها وخاصة في الفقرات الثلاث الأولى التي دمّرت بشكل كبير، ما قطع التواصل بين رأسها وأسفل عمودها الفقري. هذه الإصابة أدّت إلى تقوّس ظهرها إلى الأمام وتعثّر الصلة داخل الحبل الشوكي وانقطاع التواصل مع الأطراف، ما يؤدّي عملياً إلى الشلل مع خطر الموت بحال تقدّم المرض وتأثيره على الأعصاب المسؤولة عن عملية التنفّس. إلّا أن الجرّاحين قرروا اللجوء إلى استبدال الفقرتين الثانية والثالثة بفقرات اصطناعية مطبوعة في مطبعة ثلاثيّة الأبعاد، وذلك في عمليّة استغرقت 10 ساعات، ما أعاد إليها القدرة على المشي، وأبعد عنها شبح الموت بشكل كبير. وكانت تلك العمليّة الأولى في الهند لاستبدال فقرات بأخرى مطبوعة من التيتانيوم، إلى جانب عدد قليل جدّاً من العمليات المشابهة التي أجريت في العالم ومنها عمليّة الصين.

الدقّة البالغة مطلوبة

عند التعاطي مع النخاع الشوكي، لا مكان للخطأ ولا حتى لأي عمل غير مثالي الدقّة. فالبدائل التي كانت موجودةً قبل استعمال الطابعات ثلاثية الأبعاد، لم تكن ناجحةً لأنّها لم تكن مفصّلة بشكل بالغ الدقّة بحسب جسم كل مريض على حدة. قبل بدء عملية طباعة الفقرات البديلة، يجري الأطباء مجموعة من صور الأشعة والصور الصوتية وصور الرنين المغناطيسي للتمكّن من تحديد أبعاد الفقرات وأماكنها بشكل بالغ الدقّة كي يتمكّنوا من طباعة بديل مماثل تماماً ومن دون أضرار جانبية على الجسم ناجمة عن اختلاف الحجم أو الشكل.

الطباعة ثلاثية الأبعاد

تعدّ هذه التقنية الصاعدة اليوم خرقاً صناعياً كبيراً، إذ إنّها تمكّننا من إنتاج أي جسم صلب عبر طباعته طبقة فوق طبقة وباستعمال مواد مشابهة للجسم الأصلي أو حتى المواد ذاتها. وبات اليوم استعمالها رائجاً في تصنيع القطع الميكانيكية والبلاستيكية وحتى في طباعة منازل جاهزة، إلى جانب هذه الاستعمالات الطبيّة الصاعدة. ومن الممكن الوصول يوماً ما في المسقبل إلى طباعة أعضاء بيولوجية مماثلة لأعضاء الإنسان وزرعها في المرضى بدل أعضاء تالفة، رغم صعوبة الموضوع اليوم. إلّا أنّ تطبيقاتها في مجال الأطراف البديلة والعظام والفقرات دخلت إلى مجال الطب من بابه الواسع، وسوف يستفيد الإنسان منها على نطاق كبير، ولعلّ الإفادة الأكبر تكمن في معالجة بعض أنواع الشلل أو الإصابات المعيقة للحركة وذلك حسب الإصابة المسببة له، وخاصة إذا كانت نتيجة إصابة مرتبطة بالفقرات.